رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وداعاً "شيخ المجاهدين"

رحم الله شيخ المجاهدين "حافظ سلامة" الذى رحل عن دنيانا منذ أيام، مخلفا ملحمة بطولية قادها دفاعا عن مدينة السويس خلال حرب أكتوبر 1973 قلما تتكرر على مدار التاريخ.


فرغم أنه كان لى شرف الإطلاع على التفاصيل الدقيقة لملحمة المقاومة الشعبية بالسويس، من خلال ساعات طويلة قضيتها استمع إلى الشيخ الراحل "منفردا" قبل ما يزيد على الـ 30 عاما، ونشرت تفاصيلها كاملة فى كتابي "خفايا حرب أكتوبر" إلا أنني مازلت أتعجب من عدم تخليد أبطال تلك الملحمة البطولية الفريدة حتى اليوم.

فمنذ اللحظات الأولى لدخول القوات الإسرائيلية إلى مدينة السويس يوم 24 أكتوبر عام 1973، تصرف الشيخ "حافظ سلامة" بتلقائية القائد، حيث قام على الفور بجمع الشباب، وتدبير السلاح، وحول "مسجد الشهداء" إلى مركز لقيادة المقاومة الشعبية.

أبطال المقاومة
وبحنكة القائد، ترك "سلامة" القوات الإسرائيلية تتوغل فى شوارع المدينة، وهم مطمئنون تماما بأن السويس ستستسلم دون مقاومة، وظل الحال هكذا  إلى أن وصلوا دون أدنى مقاومة، بقول ضخم مكون 13 دبابة ومجنزرة، إلى منطقة "زر" وشارع الجيش بجوار سينما رويال بوسط المدينة.

وفى تلك البقعة من أرض السويس، كانت بداية الملحمة، حيث كان فى انتظار الاسرائيليين كمين من أبطال المقاومة، حيث أطلق البطل "إبراهيم سليمان" أول قذيفة للمقاومة الشعبية من مدفع أربي جي لم يكن به سوى طلقتين، فأصاب الدبابة الأولى بالقول، وأطلق القذيفة الثانية على سيارة مدرعة فدمرها بمن فيها، واندفع وألقى بقنبلة "ملز" إلى داخل دبابة أخرى ففجرها بمن فيها.

وأحدثت المفاجأة هلعا لدى أفراد القول الإسرائيلى، ففروا فى شوارع السويس، تاركين أسلحتهم، وسط مطاردات من أبطال المقاومة، الذين نجحوا خلال ذلك اليوم فى تدمير 18 دبابة ومجنزرة، وقتل عشرات الجنود الإسرائيليين.

 محاولة إسرائيلية
وقد روى لى حافظ سلامة رحمه الله: "أنه في يوم 25 أكتوبر، كاد الإسرائيليون أن يحتلوا السويس، بعد أن دكوا المدينة بالطائرات، وبدأوا فى مهاجمتها بقواتهم الضخمة من عدة محاور، وقام قائد القوات الإسرائيلية بالاتصال بـ "سعد الهاكع" مدير "شركة السويس للبترول" وأخبره أنهم جاءوا لاحتلال المدينة، وأن عليه أن يبحث عن المحافظ وإبلاغه بترتيب لقاء عاجل لإعلان استسلام المدينة حقنا للدماء.

وقص لى "شيخ المجاهدين" رحمه الله: أن "الهاكع" أصيب بالرعب من حديث القائد الإسرائيلى، وانطلق يبحث عن المحافظ، إلى أن وجده، وأخبره بما حدث، فوافق المحافظ على لقاء القائد الإسرائيلى، وبالفعل تم اللقاء، ودون مقدمات قال له القائد الإسرائيلى: "لقد جئنا لاحتلال المدينة، وإذا لم تسلمها إلينا خلال نصف ساعة من الآن، فسوف نأمر الطيران بدك السويس، وستكون أنت المسئول".. فرد عليه المحافظ: "أعطني مهلة لاستشير القاهرة"

فرد القائد الإسرائيلى بحدة: "لا القاهرة ولا تل أبيب، موعدنا بعد نصف ساعة في الاستاد الرياضى، فإذا لم تحضر ومعك الراية البيضاء فتحمل مسئولية ما يحدث".

وانصرف القائد الإسرائيلي تاركا المحافظ في حيرة، أمام الاستسلام، أو المغامرة والدخول في مواجهة عسكرية غير محسوبة بالقوات القليلة الموجودة في المدينة، أمام كم الدبابات والقوات الإسرائيلية الضخمة التي تحاصر السويس، والتى نجحت بالفعل في الدخول إلى خلف الاستاد الرياضى، وبالفعل اتخذ المحافظ قراره بالاستسلام.

سلامة رفض الاستسلام
وعلم القائد العسكرى للمدينة العميد "عادل إسلام" بما دار بين المحافظ والقائد الإسرائيلى، فانطلق على الفور إلى مسجد الشهداء، فوجد حافظ سلامة يوزع السلاح على الشباب في صحن المسجد، فأخبره بما دار بين القائد الإسرائيلى و"المحافظ" الذى وافق بالفعل على الاستسلام، وأنه لم يتبق من المهلة الإسرائيلية سوى عشر دقائق.

وهنا ظهر دور القائد الشعبى الفذ، الذى صاح منفعلا: "لن نستسلم، وسنواصل القتال، فالموت شرف لنا عن الاستسلام، فقد نجحنا أمس في تدمر 18 دبابة ومدرعات وقتل مئات الإسرائيليين، واليوم دمرنا 8 دبابات وقتل من فيهم، فكيف نستسلم، اتصل بالمحافظ وابلغه بأننا نرفض الاستسلام".

وبمجرد أن اتصل "عادل إسلام" بالمحافظ من مكتب الشيخ بالطابق الثانى للمسجد، صاح فيه: "أنت فين يا عادل، لم يتبق من المهلة سوى 5 دقائق، والقائد الإسرائيلى في انتظارنا، والموقف متأزم".

فقال له العميد عادل: "أنا عند الشيخ حافظ سلامة باستشيره يافندم، وياريت تمر علينا لنتشاور، لأن الشيخ والشباب يرفضون الاستسلام".

فرد المحافظ: "هو حافظ قائد عسكرى يا عادل علشان تستشيره، يا عادل القائد الإسرائيلى في انتظارنا، وأنا لا أدرى عواقب التأخير، ولابد أن نذهب".

وهنا صاح حافظ سلامة في العميد عادل قائلا: "أعلم من الآن أنت والمحافظ ومدير الأمن، أننى من الآن المسئول عسكريا ومدنيا عن السويس، وعلى كل منكم أن يظل في مكانه، وسأتولى أنا والشباب مسئولية القتال".. فرد العميد عادل قائلا: وأنا معكم يا شيخ.

صمود أهل السويس
وفى تلك اللحظات أعلن الإسرائيليون عبر مكبر الصوت بمسجد المعهد الدينى: "أن محافظ السويس قد استسلم وسلم المدينة، وأنه على المدنيين التوجه إلى الاستاد الرياضي، حيث ستتولى القوات الإسرائيلية ترحيلهم إلى خارج السويس".

وبشجاعة القائد، أمسك حافظ سلامة بمذياع مكبر الصوت بمسجد الشهداء، ووجه خطابا لأبناء السويس، أعلن خلاله "تحدى رجال المقاومة للخطاب الاسرائيلى، ووفضهم للاستسلام، ومواصلة القتال حتى آخر قطرة من دماء أبناء المدينة"..

وقلب خطاب حافظ سلامة الأوضاع رأسا على عقب، حيث ألهب حماس رجال المقاومة، وزادهم إصرارا على الصمود، فى حين ظن الإسرائيليون أن هناك تعزيزات قد وصلت لأبناء السويس، فتراجعوا خوفا من حدوث مفاجآت، وظلت المقاومة الشعبية تواصل ملحمتها البطولة، حتى طهرت السويس من القوات الإسرائيلية.

تلك سطور قليلة، من ملحمة عظيمة حوت آلاف البطولات، سطرها المئات من أبطال المقاومة الشعبية، وقادها شيخ المجاهدين حافظ سلامة الذى لا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة.
Advertisements
الجريدة الرسمية