رئيس التحرير
عصام كامل

متلازمة الكوارث وجلطة الشريان المائي!

على مستوى الفرد يقع حدث، يعقبه حدث يعقبه حدث، ويحدث النموذج ذاته في حياة الجماعة، الأسرة أو الدولة، وهو ما لخصه المثل القائل: المصائب لا تأتى فرادى.. تأتى جماعة أو تباعا..


متوالية النكبات إذن ليست جديدة، بل هى قديمة قدم من تأثر فأبدع هذا التلخيص المتمثل في القول السائر بأن المصائب لا تأتي فرادى..  بل تتنادى.. فمن يناديها؟ سؤال فلسفي.. لا معنى له، لكنك وقت اشتداد الكرب تلو الكرب، تستعجب وتندهش وتكتئب وتشكو: هو كله وراء بعضه البعض؟ إنها الحياة.. وما يسطره القدر يقع، مهما كانت الاحترازات..

فى الـ٧٢ ساعة الماضية، عاش المصريون سلسلة متوازية من الأحداث الغريبة بدأت بحادث دولي في المدخل الجنوبي لقناة السويس. جنحت سفينة عملاقة طولها بارتفاع ناطحة السحاب الأمريكية امباير ستيت.. محملة بـ ٢٢٠ ألف طن، بالوارب سدت المجرى الملاحي فيما يمكن وصفه بالجلطة في الشريان الأورطي المائي لمصر. نزيف الخسائر اليومية ١٥مليون دولار.. نزيف الخسائر العالمية ١٢مليار دولار.

قطارا سوهاج
ارتفعت دعوات المصريين أن تتحرك السفينة الديناصورية، ولم تمر ساعات حتى ضرب قطار ركاب مؤخرة قطار ركاب آخر (مميز) حتى أطاح بأربع عربات بمن فيهم وركبها..
وحتى تنتهى تحقيقات النيابة، فإن سائق القطار الضارب لم يستجب لنداءات التحذير أن أمامه قطارا واقفا عند إحدى بلدات سوهاج.. وفق مداخلات متتالية للوزير الشغال ليلا ونهار مخلصا، الفريق كامل الوزير لبرامج توك شو مسائية. لدى الرأي العام شعور بأن الحادث تخريبي ومقصود.. ومن السهل ملاحظة جوقة انطلقت تعزف لحنا جنائزيا مشفوعا بصرخات تدين وزير النقل.

الحق أن وزارة النقل هذه مقبرة أي وزير.. حتى لو كان عبقريا.. وكم من وزير نقل ضاع أو أقيل مع أول حادث قطار..

بالتزامن والتوازي بدأ جبرتي الكوارث المصرى يخرج من قبره ويستأنف تسجيل النوائب.. عمارة في تقسيم عمر بن الخطاب بجسر السويس.. تنهار إلى كومة تراب.. ترخيصها بدروم وثلاثة طوابق، رفعها صاحبها المفترى إلى عشرة طوابق، وفتح دورين مصنعا للملابس، وفي الجراج ثلاجة ضخمة يتسرب منها الماء للأساسات منذ ثلاث سنوات..

سقطت.. كما سقط ضمير صاحبها وسقط من قبله ضمير صاحب عمارة فيصل.. ومئات الألوف تنتظر لأنها مخازن قنابل، حولها وفوقها وتحتها شقق سكنية.

حوادث بالجملة
ولم يكد الصراخ يهدأ على العمارة المنهارة وضحاياها، حتى وقعت سقالات كوبرى ترسا.. دون إصابات حقيقية، تلاها حريق في مجموعة أكشاك بنفق الزقازيق، سبقه حريق بسيارة في نفق الأزهر!
شئ عجيب مريب.. فسره المصريون تفسيرا تاريخيا.. ربطو سلسلة الحوادث بأنها لعنة الـ٢٢ فرعونا الذين أزعجناهم بالنقل والعرض.. من مرابضهم الزجاجية إلى عرض متحفي عالمي، وهذا أمر لا يرضونه فحقت علينا لعنتهم!

للتاريخ في سلاسل الحوادث متلازمة واحدة، حادثة طائرة تتلوها أخرى ثم أخرى ثم لا شيء.. قطار يعقبه قطار.. سيارة يعقبها سيارة.. هو نشاط جماعي حتمى يتخذ شكل النموذج..
بالطبع ننزعج ونتعب نفسيا ونخاف.. لكن لنضع الأمر في سياقه القدرى، ونتخذ الأسباب المانعة بأقصى الاهتمام والضبط والربط.. وإذا وقعت الواقعة فعلينا التدبر والاعتبار.. واستخلاص الدروس والعبر.
الجريدة الرسمية