رئيس التحرير
عصام كامل

في شرح المعالم للمذيع أحمد سالم

معذور المذيع أحمد سالم.. كلما هاجم جمال عبد الناصر في حلقة من حلقاته أطلقت إحدي الدول اسمه علي شارع من شوارعها.. أو أطلقت دولة اخري اسمه علي جامعة من جامعاتها.. أو ازاحت دولة ثالثة الستار عن تمثال له.. أو نشرت قناة تليفزيونية صورة طفل صغير يقبل صورته!

أصبحت حلقات أحمد سالم وأمثاله مدعاة للتفاؤل بقرب تكريم جديد لزعيم رحل قبل نصف قرن.. وأمام ورثة أحمد سالم قرن آخر سيكون فيه عبد الناصر محور اهتمام ودراسة وبحث واهتمام السياسيين والدارسين والباحثين لرجل سجل الرقم القياسي في عدد الكتب ورسائل الدكتوراة والماجستير الصادرة عنه والمسجلة حوله !

لكن ومع ذلك تعترينا الدهشة.. فما هي المناسبة للحديث عن عبد الناصر الآن؟ لا ذكري مولده ولا ذكري رحيله ولا ذكري ثورته! واعتدنا من أحمد سالم وأمثاله أن تكون هذه الحلقات في ذكري نكسة يونيو.. لتكون الزفة السنوية عندهم وفي تل أبيب قي وقت واحد!
وبعيدا عن المهنية المفقودة أصلا من الحوار حول موضوع باستطلاع  آراء الضيوف ثم تكون المقدمة منحازة!

حق "شروق" في الأقصر!

وبعيدا عن ألاعيب الإعداد التلفزيوني من منح مساحات أكبر لأصحاب الرأي الذي ننحاز له.. أو يكون عددهم أكبر. أو نبدأ بهم ثم نختم بهم.. نقول بعيدا عن كل ذلك تبدو مشكلة أحمد سالم الأساسية أنه لا يقرأ.. ونتصور أنه سيكون في مأساة حقيقية لو تعطل جهاز الاوتوكيو الذي يقرأ منه عدد كبير من المذيعين هذه الأيام.. ولذلك سنشرح له لماذا لم تعتمد ثورة يوليو وقائدها نظام تعدد الأحزاب رغم أننا نتحداه أن يذكر لنا ثورة في بلد عريق أتاحت علي الفور حرية تداول السلطة والتعبير..

ولن يجد.. لسبب بسيط جدا.. أن أي ثورة يكون لها جدول أعمال ثوري.. وليس إصلاحي.. بمعني أن أمامها خطوات تغيير جذرية.. وطالما جذرية ستكون علي حساب فئات في المجتمع سيتم رغما عنها.. ولذلك يتطلب الأمر ضبط وربط وحسم وحزم.. فليس معقولا منطقا أن يستأذن مثلا قادة الثورة من الإقطاعيين في توزيع الأرض علي الفلاحين الغلابة.. وبالتالي لن يصح عقلا أن يكون الأمر محل تشريع برلماني ولا مناقشات صحفية..

أيضا لأسباب بسيطة يعرفها أطفال العمل السياسي وهي أن البرلمان والصحف ستكون عندئذ في يد الإقطاعيين والرأسماليين المستغلين!

ولذلك.. أي انتخابات برلمانية في حال بقاء الاوضاع علي ما هي عليه ستأتي بالأغنياء والإقطاعيين إلي البرلمان وبالتالي ستعبر القوانين عن مصالحهم هم.. وليس مصالح الـ 99٪ من شعبنا من العمال والفلاحين التي قامت الثورة أصلا من أجلهم!

الحال نفسه لو أتيحت حرية إصدار الصحف.. سيتملك الصحف أيضا نفس الطبقات وبالتالي ستنقل وجهات نظرهم هم للناس.. كما يفعل بعض رجال الأعمال اليوم من ملاك الصحف والفضائيات..  خصوصا عندما يحاربون رجل مات منذ نصف قرن!

نقطة أخري -يا أستاذ سالم- وهي أن المجتمع كان يحتاج لتغيرات نوعية وكمية.. بمعني أن الديمقراطية في ظل 85 ٪ أمية. و75 ٪ أمراض متوطنة. و 60 ٪ بطالة و 45 ٪ حفاء في المدن وضعفه في الريف محض نصب علني علي الناس.. فمثل هؤلاء الخائفين علي أكل عيشهم غير المهتمين ولا العالمين بأصول الأشياء لا يمكن يأتمنوا في تحديد ورسم مستقبل أمة..

التآمر على قناة السويس!

كان لابد أولا إحداث تغييرات كبري في التعليم والثقافة وهو ما حدث بالفعل ليس بإتاحة مجانية التعليم فحسب وإنما بتوفيره في القري والريف.. وأن يلتحق هؤلاء وفق تفوقهم في الكليات التي يريدونها ويسافر المتفوق منهم إلي بعثات تعليمية بمبدأ تكافؤ الفرص بشكل مطلق.. لا وساطة ولا محسوبية!
 
مشكلة السيد سالم.. وأمثاله.. ارتضائهم أن يرددوا مزاعم السابقين دون ترو.. ودون إطلاع.. رغم اختلاف الزمن عن السبعينيات.. اليوم انتهي احتكار الدولة والإخوان لوسائل الاتصال بالجماهير.. وكان لابد أن تسقط معها هذه الترهات!

كل الكلام عن غياب الديمقراطية كلام عبثي.. وأي كلام عن عودة الجيش إلي ثكناته نكت سخيفة.. وإلا لما قاموا بثورتهم؟ كانوا في فسحة ونزهة مثلا؟ ثاروا لكي يحكم من جديد من ثاروا ضده؟!
  لقد جرب مجتمعنا ذلك بعد 2011 وكاد أن يضيع الوطن أمام استغلال الدين والتطلع للديمقراطية..  فكانت النتيجة مأساة. فما بالكم ببلد كان تحت الاحتلال؟!

هل فهمت يا أستاذ سالم؟!  قليل من الفهم يا سادة في زمن بات بذل الجهد ضروريا لشرح المعالم وإثبات البديهيات..  اللي مش فاهم يسأل واللي مش بيقرأ يقرأ.. مش يقرفنا في عيشتنا.. بالجهل الفاضح.. بأبسط الاشياء.. ولا حول ولا قوة إلا بالله !!  
ملحوظة: لم نتابع الحلقة العبقرية.. إنما رسائل القراء الغاضبة اجمعت علي كونها مأساة اعلامية.. وسقوط في سقوط.. في بلد افتتح رئيسه في أسبوع واحد عشرات المشروعات!!
الجريدة الرسمية