رئيس التحرير
عصام كامل

قراءة فى حكم قضية مجدي مكين

فى نوفمبر من العام 2016 كتبنا هنا عن المتلاعبين بالعقول فى قضية المواطن مجدي مكين ضحية التعذيب داخل قسم شرطة الأميرية، وقلنا إن هؤلاء وأولئك "لم يذكروا عم مجدى بدعوة تليق بحضوره الآن بين يدي خالقه، رحمه الله، ولو أن روحه أُزهقت بفعل بشر، سيكون عقابهم في الدنيا حاضرًا، وعند الله المنتقم أكبر".


وفى ديسمبر الماضي أنصفه الله وذويه بحكم قضائي صريح يؤيد حقيقة تعرضه للتعذيب والقتل، أصدرته الدائرة السابعة شمال بجنايات القاهرة فى قضية النيابة العامة رقم 4733 لسنة 2019 جنايات الأميرية، والمقيدة برقم 919 لسنة 2019 كلي غرب القاهرة، بحق ضابط و 9 أمناء شرطة، وقد نسخ الحكم قبل أيام عقب نطق المستشار الدكتور جابر المراغي رئيس المحكمة به، وتحصلت على مضمونه كاملا، ولي فيه قراءات أعتقد أنها مهمة ومنصفة للضحايا فى وقائع انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي موظفين عموم، وداعمة لفكرة سير العدالة فى مجريات تطول وسط اعتبارات أخرى لا تعرفها إجراءات المحاكمات القضائية بالتأكيد.

إحياء صحافة حقوق الإنسان

أولا: فإن مبدأ اقتناع القاضي الجنائي أحد ثوابت الأحكام القضائية فى الجرائم ومعه يأخذ القاضي بتكامل الأدلة وليس اكتمال كل دليل منفردا، وهو أمر ظهر جليا فى تأكيد تكامل عناصر الشهادة على الوقائع وربطها بالدليل الفني متمثلا فى التقرير الطبي.

ثانيا: باتت تحريات المباحث فى وقائع شتى عنصرا أوليا فى التحقيقات لا يكتمل دون قيام النيابة العامة بها مباشرة خاصة فى جرائم تهز الرأي العام، ولو كان المتهمون موظفي عموم، أو لديهم الفرصة فى إخفاء أدلة أو اصطناع أخرى.

ثالثا: هناك قرارات إدارية لمؤسسات حكومية وفرت أدلة فنية داعمة أو قاطعة لجهات التحقيق فى جرائم جنائية شتى، أول هذه القرارات والذي أفاد فى رصد جريمة بحق المرحوم مجدي مكين هو إلزام المحلات التجارية بتركيب كاميرات مراقبة على أبوابها، وبالتأكيد كانت وزارة الداخلية سباقة فى نشرها داخل وبمحيط الأقسام الشرطية التابعة لها أيضا، وكان تفريغها مهما فى تقديم من أنكروا جريمتهم للعدالة.

رابعا: أروع ما فى الأحكام القضائية الخاصة بجرائم التعذيب هو تتبع جهات التحقيق عمليات الضغط النفسي والمعنوي والإيذاء البدني بحق مبلغين أو شهود، وهؤلاء يمثلون عونا كبيرا فى إثبات حقائق سعى متلاعبون بأوراق رسمية لإخفائها.

خامسا: تشير أحكام القضاء الشاملة فى قضايا التعذيب وبينها قضية المرحوم مجدي مكين، إلى استحالة استبعاد مسؤول جنائي عن إحدى تفاصيل وقائعها، ذلك بأن كل من فعل أو سهل وقوع فعل مخالف للقانون أو تستر عليه أو صمت عنه فى حضوره بات مسؤولا أمام العدالة، وهنا يزداد التأكيد على شخصية العقوبة وجماعية الاشتراك فى الجريمة وعدم الارتكان إلى حجة طاعة الأمر الإداري المخالف للقانون فى طلب البراءة.

سادسا: تشير أحكام القضاء المستندة إلى أدلة فنية فى جرائم التعذيب إلى دور مهم وحيادي ومهني للأطباء الشرعيين وأطباء مستشفيات الطواريء، وكيف كانت أمانة طبيبة شابة بمستشفى الزيتون التخصصي المقابل لقسم شرطة الأميرية وشجاعتها كمثال وراء الإمساك بأول خيوط الجريمة فنيا، إذا ما علمنا بإدعاء متهمين سقوط المجني عليه وحمله لإنقاذه على خلاف حقيقة تعذيبه التي يثبتها الحكم القضائي.

ضوابط لتأمينات الصحفيين والمهن الحرة

سابعا: تبدو من مهام المتهمين المسندة إليهم بأوراق التحقيقات أنهم يعملون بوحدة المباحث، وهى تتبع إداريا إشراف مأمور القسم بالتأكيد، لكن عمليا تبدو بعض وحدات المباحث وكأن رجالها خارج النطاق الإشرافي والرقابي للمأمورين، وربما كانت طبيعة عمل أعضائها خارج دواوين الأقسام أغلب الوقت وراء هذا الحال أو تصدير الشعور به.

ثامنا: جرائم التعذيب واستعمال القسوة تحتاج إلى مراجعة تشريعية تتناسب مع طبيعتها ونتائجها وأخطرها القتل أو إحداث عاهات مستديمة، خاصة وأن القانون يرهن الجريمة بصفة الضحية حال كان متهما، ومن هنا تبدو جرائم أكثر قسوة أقل عقوبة بالتشريعات الحالية.

تاسعا: أكدت قضية المرحوم مجدي مكين على قدرة الرقابة الشعبية وجهود القانونيين الطوعية فى خدمة حقوق الإنسان، ولولا ظهور هذا الدعم فى المراحل الأولى للقضية ربما اتخذت مسارا مختلفا، كما أكدت الطبيعة السلمية للمصريين الذين يصرون على نيل حقهم بالقانون، إذا ما وضعنا فى الاعتبار ترك أهلية الضحية الدعوى المدنية وتركيزهم فى حق أصيل لرجل سعى مدانون لتشويهه.

عاشرا: يدعم قدرة وزارة الداخلية على تفعيل رقابتها على أقسام الشرطة والقائمين عليها، إنشاؤها لنماذج مكاتب حماية حقوق الإنسان والتواصل المجتمعي، وتمثل تصورا جديدا للرقابة الذاتية والمتبادلة بين المسؤولين ذاتهم، وهى تقدم تجربة جديدة تدعم حقوقا وتحمى أصحابها بشكل مسبق عبر إجراءات إدارية وتأمينية مستحدثة.

أخيرا؛ لا نملك هنا سوى التأكيد على أن حقوق المستضعفين لا تضيع طالما توافر قانون لحمايتها، فتأتي أحكام القضاء معبرة عن إرادة مؤسسات الدولة فى مواجهة منتهكيها بعدالة حقيقية ناجزة، وفى ظني أن حكم القضاء فى قضية مجدي مكين مهم لكل موظف عام منوط به حماية أمن المواطن، وضروري لكل ضحية يعتقد أن مسؤولا فوق القانون وخارج دائرة المحاسبة، وفى النهاية تبقى إجراءات قانونية تالية حقا لكافة أطراف القضية.
الجريدة الرسمية