رئيس التحرير
عصام كامل

الصاخبة المستديرة

بمضى الوقت وبعفوية، وجهنى إليها رفيقي القديم السكرى، والضيف الجديد ضغط الدم، وإلزام صديقي الطبيب لى بتناول عقار منتظم بشكل يومي مدى الحياة، مع الابتعاد التام عن أى ضغوط أو انفعالات، أصبحت أركن إلى الترفع عن الجدل أو الانجرار إلى الخوض فى المشكلات مهما بلغت شدتها، مع محاولة التوصل إلى حلول قاطعة بالهدوء، أو الانسحاب من الجدل الذي سيقودنى حتما إلى مزيد من الانهيارات المتتالية.


أصبحت لا أجد حرجا حيال اشتعال أى جدل حول مشكلة، من ترديد عبارة (بإذن الله خير) أو كلمة (معلش)، أو اللجوء إلى الصمت، مع محاولة التفكير فى  (اللاشئ)، مجرد مخلوق يمشي على قدمين، لن يفيده الصراخ أو الغل أو الحقد والضغينة شيئا، بل يحولونه إلى ماكينة حديدية تنحر أسنان تروسها بعضها البعض فى قيظ أغسطس.

المبادرة النبيلة
أصبحت ارتكن إلى مبدأ أصيل ألا وهو (تبات نار تصبح رماد لها رب يعدلها)، يقينا بقدرته وحكمته سبحانه فى تسيير دفة الحياة وفق المكتوب والمقدر، أهرب من الانفعال و أفر من تكالب الضغوط النفسية، التي تجثم على أنفاسي، وتفرغ روحى من متعة الهدوء.

أصبحت اتجه أكثر إلى التماس الأعذار واحدا تلو الآخر، لا أغامر بفقد ود، إلا من أستشعر ضرر وجوده أكثر من محبته، ابتعد رويدا رويدا، فتنضب ينابيع العلاقة الإنسانية مع الأيام.

كنت قبل عقدين من الزمان، حين كنت أتخيل أننى فى أوج قوتى وعنفوانى، انفعل على أتفه الأسباب، مستخدما عبارات التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور، أما الآن وقد نفذت بطاريات الطاقة، أنظر وأقيم وأصمت حتى يولى شيطان الغضب.

تعشموا ولكن بحدود
قالها لي أحد الباعة الجائلين حينما شاهدني اشتاط غضبا لأمر ما ربما كان بسيطا لا يستحق الانفعال مطلقا، قائلا لى بمنتهى الهدوء: ( ...... دماغك)، أى فيما معناه أفرغ رأسك من ضوضاء الفكر والتوتر، إلى براح الهدوء، ولخص لى وجهة نظره فى هذا حين باغتنى بقوله:( أخرتها متر * متر)، فألزمنى الصمت.

أصبحت على مشارف عامى الرابع والأربعين إن قدر الله عز وجل لى الحياة، وبات لزاما أن أضع تعليمات الطبيب قيد بصرى دائما، محاولا قدر الإمكان إفراغ تلك الصاخبة المستديرة من زحام المشاكل.
دامت رؤوسكم هادئة، ودمتم أصحاء فى نعمة من الله لا يعكر صفو حياتكم أى شيء.

الجريدة الرسمية