رئيس التحرير
عصام كامل

كل إناء ينضح بما فيه!

ما أن فتحت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر الباب علي العنف اللفظي والجنسي (التحرش) بعبارات أطلقها الضحايا متسترة خلف تلك المواقع، حتي تسارع يلاحقها وينافسها العنف اللفظي والجسدي بفيديوهات توثق جريمته وتفاصيل ادانته، فلا ينكرها الفاعل ولا تعطلها الإجراءات.

وقد ذاع منذ أيام فيديو لجندي مصري أسمر بلون حمرة الشمس، والذي لم يجد محصل التذاكر معه ثمنا لرحلته فقرر أن يأخذها من كرامته، ولكن الشاب أثبت بهدوئه وعقله قبل رتبته قوته، فاحترم شرف بدلته، وأخرسه واجبه عن الهجوم علي من وكل بالدفاع عنه وحمايته.

 

أٔثبت هذا الشاب، إن العنف فكر وسلوك يمارسه الضعفاء، يتحدوا المجتمع لينسبوا لأنفسهم قوة كاذبة، فيذيع صيتهم معلنين عن وجودهم بعنفهم .
صوت الرجل ليس بعورة !
وسبقه بأسابيع فيديو لإحدي السيدات، والتي عنفت وتعدت علي موظف رسمي أثناء عمله، رافضه الإنصياع لأوامره أو الامتثال للقانون، معلنة عن منصبها ومشهرة قوتها، فعندما تتساوي الرؤوس يزيد التحدي ويعلو صدي العنف ويخفت صوت العقل .

و لم يمنع العنف حدود ولم توقفه جنسية ولم تعطله تأشيرة، فيطل علينا من فترة لأخري بعض مواطني إحدي الدول العربية، ذوي الموهبة في تصوير التعدي علي المصريين ببلادهم، يتفننوا في اختلاق المواقف مشهرين كاميراتهم لتسجيل كافة التفاصيل ويجدوا في صفحاتهم علي وسائل التواصل السبيل، لم يعلموا إن الإهانة تنبت في أجساد خاوية من العقول، فتنطلق  كالرصاص في وجه وجسد من يقع عليه الاختيار في سيرك المغتربين، فيصيبوا الهدف تارة ويخيبوا كثيرا.

ولم تكن تلك الممارسات وهذا السيل من الفيديوهات إلا حكرا علي المصريين، معتقدين أن صخب أفعالهم قد يحجب البصر ويشتت السمع عن حقيقة عدائهم وضعف حجتهم وصغر حجمهم. ولإن كل إناء ينضح بما فيه!، فلا يرتبط هذا الفكر والفعل العنيف بنوع أو سن أو مهنة أو جنسية، بل يتنافس فيه المتنافسون، ذوي القوة الجسدية أو ضعاف البنية الفكرية أو حتي أصحاب بلاغة السباب اللفظية.
الأزمات لا تأتي فرادي!!
وقد تصدت لتلك الممارسات كثير من الهيئات الدولية، وصاغتها الدساتير وفصلتها القوانين المحلية، ورفضتها من قبلهم النفوس السوية.. وكانت البداية بعد الحرب العالمية الثانية بميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام ١٩٤٨، حيث يمثل أي عنف تعدي علي حق الاخر.

وتلاه الاهتمام بحماية الفئات المهمشة، كإتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) عام ١٩٧٩، وإعلان القضاء علي العنف ضد المرأة عام ١٩٩٣، و تفرض تلك المواثيق علي موقعيها من الدول تفعيل احترام الانسان والتصدي للعنف وكل ما يساعد علي تأصيله في المجتمع.

وإلي أن تهدئ الأواني وتستوي العقول وينضبط السلوك، ستظل تلك المواثيق أوراق لإثبات التهم ضد مرتكبي العنف في حق الإنسانية.

الجريدة الرسمية