رئيس التحرير
عصام كامل

الجانب الآخر من حادث "القطار"!

نعم علينا أن نحتفي بـ"سيدة القطار" ليس لأن في الاحتفاء بها تكريما ضمنيا لأبناء الجيش العظيم فقط ولا لأن فيه التأكيد على دور عظيمات مصر في ضبط السلوك العام، ولا من أجل معركتنا مع إعلام الشر التي تستحق إبراز هذه الوجوه الطيبة في حياة شعبنا.. إنما ينبغي أن نحتفي بسيدة القطار من أجل ذلك كله!


إلا أن جانبا خطيرا في الأمر ينبغي أن نتوقف عنده لا علاقة له بصنيع السيدة العظيمة.. إنما له علاقة بالمجتمع.. وهو ما يدفع لطرح السؤال عن سر الاحتفاء الكبير بما جرى.. فمثلا، نكت عديدة جدا قديمة تغيرت ظروفها وإذا قلناها اليوم لا تضحك أحدا.. منها النكتة التي كانت متداولة عند أهلنا في الأربعينيات والخمسينيات من أن سيولا ضربت إحدى القرى وأغرقتها فذهب أحد الفلاحين مسرعا للعمدة وهو يصرخ "يا حضرة العمدة.. الميا دخلت البيت! رد العمدة بكل سعادة قائلا: عقبال النور يا ولااا"!
الأفيونجي والبطل الحقيقي لحادث القطار !
هذه النكته لو قلناها اليوم من المؤكد ان نسبة الاستجابة لها ستكون ضعيفة جدا.. لكنها وقتها حيث قرى عديدة لم تكن قد دخلتها مياه الشرب ولا الكهرباء ستكون مضحكة جدا.. اليوم لو عدنا بالزمن وحكينا قصة سيدة القطار إلى المصريين في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات وقلنا لهم سنقوم بتكريمها لأنها دفعت أجرة لأحد الركاب في عمر أبنائها ستجدهم سيندهشون جدا.. وسيقولون على الفور "دفعت الأجرة له.. طيب وإيه يعني؟ إيه البطولة في ده وهذا هو الطبيعي "!

الخلاصة.. أصبحنا نفتش عن السلوك القويم لنثبت إن الدنيا لم تزل بخير.. ولنقول إن الدنيا بخير.. ولكن الإحتفاء في ذاته دليل غرابة ما جري.. ودليل ندرته.. علي كل حال أصبحنا في زمن تحول فيه الأصل إلى إستثناء.. والعكس صحيحا.. حتى إنا فعلنا ذلك قبل سنوات عندما كنا نحتفي بأي مسئول شريف لأنه شريف رغم إن الأصل في المسئول أن يكون شريفا!
"إعلامي" بفلوسه!
ولذلك أحب المصريون اللواء أحمد رشدي والدكتور أحمد جويلي والدكتور كمال الجنزوري والمهندس حسب الله الكفراوي لأن "اياديهم نظيفة وشرفاء" وهذا حقيقي.. لكنه يطعن ضمنا في الباقين وكان أغلبهم كذلك فعلا!!

المسألة تفتح الباب واسعا لنتساءل جميعا مع الدكتور جلال أمين قبل سنوات في كتابه الاشهر: "ماذا جري للمصريين"؟! وفعلا ماذا جرى لنا حتى نحتفل كل هذا الاحتفال بسيدة عظيمة تمتلك شهامة كبيرة وحنان أمومة متدفقا.. لكن.. كان ذلك قبل سنوات طبيعيا ومنطقيا.. حتى إنه لم يكن يلفت النظر!
إنها مهمة أساتذة علم الاجتماع وأساتذة الطب النفسي وغيرهم من المتخصصين.. ونبقي في انتظار تحليلهم ونتائج أبحاثهم ولا ينبغي أن تمر الظاهرة مرور الكرماء!
الجريدة الرسمية