رئيس التحرير
عصام كامل

قضاة السوشيال ميديا اغتالوا «سيدة المحكمة»

النساء، وما أدراك ما النساء، ذلك اللغز الغامض في حياة البشر، إنها نفس المرأة بردود أفعال متفاوتة في مواقف واحدة، وبلا سبب، وهن كذلك ولا شك شقائق الرجال، لهن لحظات ضعف ولحظات قوة ولحظات من العطاء، وأخري مليئة بالمنع، ونزعم في مجتمعاتنا الشرقية أننا نعاملهن أفضل من الغرب المُتسَيب.



إضطرت المرأة للعمل والنزول إلى ميادين الحياة بحكم ما لحق بالمجتمع من تغيرات مادية واجتماعية، ولكن الحقيقة أن المجتمع الذي دفعها الى ذلك لم يتقبلها بقبولٍ حسن وأساء معاملتها، ونسي أنها الزوجة والأم والابنة والموظفة والأخت والصديقة والجارة في آنٍ واحد

من يحمي وزيرة الدولة للهجرة من أعوانها؟

ويرى البعض أن الدستور أنصفها، والقانون كذلك، وهو ما لا ننكره، ولكن ماذا يفعل الدستور والقانون مع النفوس الضعيفة والصدور الضيقة والعقليات الرجعية التي لا ترى فيها إلا خادمة أو أداة للمتعة فقط؟، ولا يرتبط ذلك بمحل الإقامة أو درجة التعليم أو مستوى المعيشة، فالقلوب الطيبة في كل مكان، وتلك الشريرة أيضا، بل وفي البيت الواحد

وحين ظهرت «سيدة المحكمة»، ورغم كثرة المتعاطفين معها، ظهرت العقليات المتحجرة، وليتها كانت من الرجال فقط، بل من النساء، أعداء أنفسهن، اللاتي ظهرت تعليقاتهن لتجلدها لأنها سيدة، وبرر البعض تلك الهجمة بأنها مُوجَّهة، وبررها البعض بأن «سيدة المحكمة» مُحْتَشِمة ولو كانت غير ذلك لوجدت تعاطُفًا منقطع النظير، ولعل الواقعة لم تظهر من الأساس

هل كان سبب الواقعة «جناية»عدم ارتداء الكمامة، والتي لم يرتديها بعض من ظهروا في الفيديو؟ أم تصوير ما يخشى البعض من ظهوره، أم أن المباح هو تصوير كلبشة قاضية وكارنيهات جهة عملها ونادى الشمس الرياضي وإرسال كل ذلك خلال ساعة إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؟، فضلا عن الفصل في الواقعة بمعرفة برامج التوك شو؟ 
هل يعلم طارق شوقي أنه لا يعلم؟
وصدر الحكم غيابيًا، غابت فيه الحقيقة، وانزلق قضاة السوشيال ميديا وأصحاب برامج «التوك شو» وراء أرقام المشاهدات، حتى اغتالوا «سيدة المحكمة»، رغم أن القاضي العادل بعد أن تكتمل تحت يديه الأوراق والأدلة يقف حائرًا ليفصل في الواقعة، ولم تجد «المستشارة» حولها من يدعمها بعد تصويرها وهي تُوضع في الكلابشات، بفرض كونها مخطِئة، بل هناك في جهة عملها من طعنها وسَرَّبَ أرقام وتواريخ قرارات رئيس الجمهورية بشأن تعيينها وترقياتها «التدرج الوظيفي» بكل دقة للصفحات المأجورة.

وليس المجال هنا للفصل بينها وبين الضابط الذي أشاد به الكثيرون لانه أدى «دوره كما يجب»، فالأمر الآن تحت بصر القضاء، ولكننا نبحث عن الإنسان والإنسانية، ونتساءل، لماذا نتسارع لنجلد الضعيف؟، ولماذا لا نرى فيه إلا ما يسوؤه؟، ولماذا لا نتعقل ونعطي كل ذي حقٍ حقه؟

والأهم من ذلك كله، كيف نحكم على واقعة لم نرَّ منها الا الجزء الذي أراد من صَوَّرها أن نراه «لأن التصوير ممنوع»؟ والأخطر من ذلك اننا لا نتخيل أن هناك خلفيات خطيرة للواقعة، وأن وراء الآكمة ما وراءها، مما أدى إلى أن قضاة السوشيال ميديا وبرامج «التوك شو» اغتالوا «المستشارة» أو «سيدة المحكمة»
حكاية ميس برلين مع النيابة الإدارية(1)
ولذلك أتذكر قول الشاعر الراحل هاشم الرفاعي (المجرمون الجالسون على كراسي القضاة) حينما أتناول أولئك الذين انتحلوا صفة القضاة عبر منصات ليست بمنصات المحاكم، بل هي منصات «السوشيال ميديا» وبرامج «التوك شو»، الدفوع فيها هي مقاطع الفيديو، والحيثيات فيها هي آراء القائمين على صفحات ربما تكون مجهولة أو مشبوهة، والمتهم فيها سيُقطع ويُصلَّب وينفى من الأرض حتى «يظهر له أصحاب».. وللحديث بقية عقب إنتهاء التحقيقات.
الجريدة الرسمية