رئيس التحرير
عصام كامل

عاطف فاروق يكتب: من يحمي وزيرة الدولة للهجرة من أعوانها؟

فيتو

 

لا يمكن للكاتب أن يكون جزءاً من الضمائر السابحة في وحل الحياة، فضميره هو الحاكم لمبادئه وقيمه، وقلمه هو سلاحه الذي يشهره لينذِر ويحذِّرَ به من بؤر الفساد في جهةٍ ما، فإنه يتوقع من القيادة المسئولة المبادرة إلى كشف اللثام عن تلك البؤر، وإقصائها عن مناصبها؛ حرصًا على الصالح العام، ولكن بعض القيادات، قد تقف حائرة عاجزة في مواجهة بؤر فساد ضاربة بجذورها العفنة في أرجاء الوزارة أو المؤسسة. 


ويرجع ذلك العجز والحيرة إلى أسباب عديدة، ربما يكون من بينها ضعف الخبرة في العمل القيادي، أو تغَّول الفساد بحيث يصعب استئصاله، فتقف القيادات مُكبَلة بأغلال الحِرص على المنصب، وتتجنب خوض المعارك لحماية المؤسسة أو الوزارة. 

 

حكاية المكافآت المليونية في «جهاز شئون البيئة» 


إحدى ساحات تلك المعارك، كانت وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، بعد أن تسربت إلينا معلومات مؤكَدة ومدعمَّة بالمستندات الدامغة، وقدمنا حينئذٍ الصالح العام على مفهوم "السبق"، وتواصلنا مع السفيرة نبيلة مكرم عبد المسيح، وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، وهي اسمٌ لامع في العمل الدبلوماسي فقد التحقت بالعمل بوزارة الخارجية عام ١٩٩3، ثم تدرجت في الوظائف، حتى وصلت إلى نائب القنصل العام بإمارة دبي في عام ٢٠١٣ وحتى استلامها مهام وظيفتها في الوزارة.

وبعد أن تواصلنا مع الوزيرة، وأمددناها بالمعلومات، ثم تواصلنا مع مستشارها القانوني بناءًا على طلبها، وأطلعناه على كافة المستندات وتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، وتقرير لجنة الفحص المشكلة بناءًا على تعليمات الرقابة الإدارية التي تؤكد صحة المعلومات، وبعد طول انتظار لقرارات حاسمة لبتر أذرع الفساد بالوزارة لم نجد إلا «صمت الصحراء القاحلة» التي لم تهب عليها رياح التغيير.  

ومن بين المعلومات التي قدمناها للوزيرة ومستشارها القانوني أن أحد الأشخاص كان مساعدًا لوزير السياحة، وشغل الكثير من الوظائف القيادية بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، وأستبعد من تقلد الوظائف القيادية بهيئة تنشيط السياحة، عقب الكشف عن مخالفاته المالية.

 

تفاصيل قضية أسهم الأوقاف


ومن بين هذه الجرائم المالية، ولا بد من التركيز على المبالغ المالية لنُدرِكَ حجم الكارثة، ما يلي:

1ـ بوصفة القائم بعمل مدير الشئون المالية بالهيئة، وقع توقيعاً أول خلال الفترة من شهر أغسطس عام 2010 حتى شهر فبراير 2012، على خطابات التحويلات البنكية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي إلى البنك المركزي المصري والمتضمنة صرف قيمة تنفيذ أعمال الحملات الدعائية محل التعاقد المبرم في 2019/5/3، إلى حساب شركة JWT سيل أوف شور اللبنانية بدولة لبنان، بناء على فواتير صادرة عن الشركة الأخيرة، رغم أنها ليست فرعاً للشركة المتعاقد معها، ولا تربطها بالهيئة أية علاقة تعاقدية، وذلك بالمخالفة لما قضت به أحكام العقد مما أدى إلى صرف كامل قيمة الأعمال المنفذة محل ذلك العقد الى حساب الشركة اللبنانية ببنك hsbc بدولة لبنان بإجمالي مبلغ 123.242.16 مليون دولار أمريكي، دون إخضاع هذه المبالغ لضريبة الدمغة العادية والإضافية المقدر إجماليها بما يعادل مبلغ 16.840.064.20 مليون جنيه مصري.

2ـ بوصفه مراجعا ماليا بإدارة الحسابات بالهيئة، وقع خلال الفترة من شهر يونية عام 2009 وحتى شهر أغسطس عام 2010، على خطابات التحويلات البنكية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحى الى البنك المركزى المصري، والمتضمنة صرف قيمة تنفيذ أعمال الحملات الدعائية محل التعاقد المبرم في 2019/5/3 إلى حساب شركة JWT سيل أوف شور اللبنانية بدولة لبنان، بناء على فواتير صادرة عن الشركة الأخيرة، رغم أنها ليست فرعاً للشركة المتعاقد معها، ولا تربطها بالهيئة أية علاقة تعاقدية، وذلك بالمخالفة لما قضت به أحكام العقد السابق بيانها إلى حساب الشركة اللبنانية المذكورة خارج مصر، دون إخضاع المبالغ المصروفة لضريبة الدمغة العادية والإضافية، وكذلك دون خصم ما يعادل نسبة 5% تحت حساب الضريبة، من المبالغ المنصرفة من الهيئة تحت مسمى العمولة بموجب هذا العقد والبالغ إجماليها مبلغ 475.098 ألف دولار أمريكي.

 

حكاية رشوة كبير أئمة الأوقاف.. واغتصاب المدير العام اختصاص المحكمة 


ولكن الفساد المُتعمق الذي أشرنا إليه لا يقف ساكنًا، بل سرعان ما ينتشر كالنار في الهشيم، فينهش في جسد الجهاز الاداري للدولة، فلم تقف جرائم الفساد عند هذا الحد، فما لبث أحد معاوني وزيرة الهجرة أن عرض عليها عرضًا غير أمين، مستغلًا نُبل أخلاقها، والثقة المفترضة فيمن حولها، وأتى إليها بذلك الشخص من هيئة تنشيط السياحة بوصفه النابغة الذي سيحل كل مشكلات الوزارة. 

وما أن وصل هذا الشخص إلى الوزارة ندبًا حتى تقلدَ منصب «رئيس الادارة المركزية للشئون المالية والإدارية والهندسية والموارد البشرية»، نعم يا عزيزي القارئ، كما قرأت بالضبط، ليسيطر أعوان الوزيرة على كل مفاصل الوزارة.

وفي لفتة بسيطة، لا ينساها هؤلاء، إستصدروا من الوزيرة تفويضًا لهذا المسئول القادم من هيئة تنشيط السياحة في بعض اختصاصاتها التي تتمثل في مقدرات الوزارة وأموال الدولة، وعلة ذلك جاهزة عندهم بالطبع، وهي أن وقت سيادة الوزيرة لا يسمح بالانشغال بالتفاهات.

 

تأديب 5 مسئولين بـ"استاد القاهرة" بسبب مديونيات الجبلاية والأهلي 


تلك هي رواياتنا التي لو كان بيننا الراحل موسى صبري لأستبدل أبطالها وتفاصيلها بأبطال وتفاصيل روايته الرائعة "فساد الأمكنة" ولقدَمتها لنا دار الشُروق في طبعةٍ فاخرة، لنعرف منها نحن والأجيال القادمة أن اقتلاع الفساد من المؤسسات الحكومية أصعب من اقتلاع الأظافر من أصابع الإنسان.

الجريدة الرسمية