رئيس التحرير
عصام كامل

عكاز مبارك

فى علم السياسة، القرار يمر بدراسات المكسب و الخسارة قبل اتخاذه، ثم تتم مناقشته فى مجموعات عليا من النظم الحاكمة، خاصة إن كان يتعلق بالأغلبية من الشعب، و تتعاظم الحاجة إلى التأنى فى إصدار القرار طرديا مع عدد من يتأثرون به سلبا أو إيجابا، ثم إذا وجدت المجموعة السياسية التى تدير الأمور أن لهذا القرار تبعات سلبية أسوأ بكثير من فائدة القرار، جمدته أو ألغته.

 

وإن كان هناك حاجة ماسة لهذا القرار خاصة إذا كانت تمر البلاد بظروف اقتصادية متعسرة، مهدت لهذا القرار عن طريق إعلام محترم و ليس ثلة من الأجراء الذين فقدوا جل تأثيرهم منذ زمن بعيد لاعتيادهم على التبرير لأى شىء و لأى نظام حتى و لو كان عدو الأمس.. أجراء بالمعنى الحرفى الصريح للكلمة!
ساقطات ومناضلات
وعندما تريد أن تنصح نظاما وترغب فى بقائه، عليك أن تنتقده إذا أخطأ، حتى إذا وجد الناس (العامة) متنفسا يعبر عنهم وعما يودون قوله، استكانوا وهدأت ثورت نفوسهم، أما إذا قمت بسد كل المنافذ وأغلقت كل السبل، فإن الغضب سيتجمع وتلجأ النفوس المنهكة إلى تمنى حدوث معجزة تريحهم، وحتى هنا يكون الأمر رائعا و آمنا للنظام، و لأن عصر المعجزات و الخوارق قد ولى منذ قرون بعيدة وأزمان غابرة، فإن توارى تلك المعجزة المتخيلة يدعو ليأس وفرط و كبت مجحف يقود لفيضان غير محسوب العواق .. وهنا تتجلى الخطورة فى أقسى صورها !

مشروع الألف يوم !
كانت حكومات حسنى مبارك على تنوعها تقوم بتعويم العملة، و الرضوخ لصندوق النقد الدولى، أو صندوق (عبد الشكور) وكان الرجل هو المسؤول عنه بمصر و الشرق الأوسط، هكذا كان يسميه المصريون بسخرية مريرة كلما شعروا بغلاء طفيف وإرتفاع فى الأسعار، أو بلغة الحزب الوطنى، و التى صارت تراثا فيما بعد، تحريك فى الأسعار، و لكن كان الرضوخ متدرجا و يسيرا نوعا ما..

 الوطن صابر !

وعندما استشعر مبارك الحرج، تحديدا عام 1991، ووجد أن هناك تقارير بعدم الرضا فى الشارع، قام هو بنفسه بإطلاق ما يسمى مشروع الألف يوم.. أى ثلاث سنوات، يخرج فيها الاقتصاد من عنق الزجاجة، و تتعافى قيمة الجنيه التى كانت حينها تساوى نصف دولار أمريكى، أى أن كل دولار يعادل جنيهين.. اثتنين جنيه بالبلدى يعنى.. لا تنس أن عندما حكم مبارك قبلها بتسع سنوات، كان الدولار بأقل من جنيه إلا ربعا.. تحديدا ب 67 قرشا فقط !

مرحلة أحمد جويلى
وكان مبارك على موعد من القدر ليثبت أركان حكمة ويسترد رضا رجل الشارع، فساق له القدر الدكتور أحمد جويلى أشهر وزير تموين و تجارة داخلية عرفته مصر فى العقود الأربعة الأخيرة، هذا الرجل كان نجدة من السماء للنظام كله، ثم لبقية المصريين..

 

ما فعله الرجل ببساطة أنه جعل الغذاء فى متناول يد الجميع وثبت الأسعار لمدة تزيد على 6 سنوات كاملة، كان حينها الأمان المصرى اليومى المتمثل فى وجبات الستر المصرية الثلاث، الفول و الكشرى و الأرز بأسعار ميسرة.. يكفيك أن تعلم أن رعيف الفول كان ب نصف جنيه فقط، و أن كيلو الأرز كان بأقل من جنيه، و بقى كيلو السكر ( الحر) و ليس سكر التموين المدعم بجنيه واحد فقط..

 ليته كان عربجيا!

استند النظام كله على وجود هذا الرجل المحترم النزيه رحمه الله، و كان الغلاء يتسلل للأشياء الأخرى و التى قد لا يشعر بها الفرد يوميا، مثل أسعار الشقق السكنية، و التى كان الاحتكار ينخر فيها، و لكن كانت الأمور هادئة نظرا لوجود الإيجار القديم، و بناء الدولة لمساكن شعبية لا تكاد تكلف شيئا مع ثبات كبير فى أسعار الموصلات الرخيصة بالفعل حينها.. ماشية يعنى وهذا ما يهم الأغلبية فى كل زمان ومكان !

النيو ليبرالية الإقتصادية
ثم جاءت مرحلة اقالة أحمد جويلى، وبداية إسقاط النظام المباركى للستر الذى كان يكتنفه، بدأ اللعب من قبل الأولاد و أصدقائهم فى مقدرات الشعب الغذائية رويدا رويدا، وجاءت مرحلة التعويم الثالثة بقيادة عاطف عبيد، واشتعل سعر الدولار و وصل ل خمسة جنيهات بالسوق السوداء، رغم انه كان رسميا ب ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه..

 

وبدأ الفقر يعربد فى الطرقات.. وكانت ضحكات عاطف عبيد السخيفة المصطنعة فى كل لقاء إعلامى، تتراكم حنقا و غضبا عند قطاع كبير من المصريين، ثم وجدت صداها فيما بعد، خاصة بعدما أصبح الحصول على الغذاء معاناة, وبعدما فقدت الحكومة عكازها الذى كانت تستند عليه.. وكان ما كان.. كل حكومة بحاجة لعكاز عاقل مبصر بالشارع و بحماقة الجوع، بقسوته وبطرق كبته.. حفظ الله مصر
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية