رئيس التحرير
عصام كامل

قصة سقوط أستاذ جامعي مراهق (2)

ذكرنا في المقال السابق فضل أستاذ الجامعة، وأهميته، ثم ألمحنا إلى اتهامات خطيرة ماسة بالشرف لأستاذ جامعة، وعدّدنا الاتهامات المنسوبة إليه، واليوم نؤكد على مبدأ المشروعية في التأديب، فلابد من ضمانات للمتهم تمكنه من إبداء دفاعه، كما يجب الحفاظ على الحياة الخاصة؛ مهما كانت بشاعة الاتهام، فهل تحققت تلك الضمانات في هذه الواقعة؟

 

قرر مجلس التأديب عزل الأستاذ الجامعي من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش بعد ثبوت المخالفات في حقه من واقع أقوال الشهود، فأقام الدكتور طعنًا أمام المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة طالبًا إلغاء قرار تأديبه وعزله.

 

خطاب مفتوح إلى الرئيس

 

وقالت المحكمة عبر أسباب حكمها أن الاستجواب كإجراء تحقيق يهدف لكشف الحقيقة بوصفه إجراء من إجراءات جمع الأدلة، وهو وسيلة دفاعية حتى يعلم بالتهمة الموجهة إليه والأدلة المقامة ضده، ليتاح له إبداء ما يساعده في كشف براءته.

 

ومن خلال الاستجواب تناقشه سلطة التحقيق في التهمة المنسوبة إليه على وجه مفصل في الأدلة القائمة الدعوى إثباتاً ونفياً، خلافاً لما هو عليه إجراء سؤال المتهم الذي يقوم به أعضاء الضبط القضائي في مرحلة الاستدلال، فالأخير، ما هو إلا سماع أقوال المتهم فيما يتعلق بالتهمة المسندة إليه دون الخوض في جزئيات التهمة ودون تحقيق دفاعه

 

درس خصوصي لوزير التربية والتعليم

 

ولم يفعل المحقق سوى أنه عند بدء التحقيق تم سماع أقوال الطاعن بصيغة "ما قولك في الشكوى المقدمة من كل من...... و...... و...... وعندما رد الطاعن على ذلك بعدم وجود أية علاقة معهن تم سؤاله عن تفسيره لتقديم الطالبات هذه الشكوى أو وجود علاقة بينه وبينهم، نفى الطاعن ذلك وتم سؤاله "هل لديك أقوال أخرى"، فطلب إحضار شهود نفي وانتهى التحقيق على ذلك. 

 

ثم تم سؤال باقي الشهود ولم يتم استدعاؤه للمواجهة بأي تهمة بعد ذلك، وبعدها تم إحالته إلى مجلس التأديب بأكثر من ثلاث عشرة تهمة لم يواجه بها واعتمد المحقق على أن الطاعن طلب رده عن التحقيق لينتهي إلى أن الطاعن قد فوّت على نفسه الدفاع عن نفسه، وهذا أمر غير صحيح، فكان يمكن للمحقق استدعاؤه ومواجهته بالاتهامات المنسوبة إليه بعد إخطاره برفض طلب رد المحقق ثم أحيل لمجلس التأديب الذي انتهى إلى قراره سالف البيان دون أن يسأل الطاعن أو مواجهته بهذه الاتهامات ويعطيه الفرصة للدفاع عن نفسه.

 

سن تقاعد القضاة ليس بيت القصيد

 

ومقتضى هذا الأمر أن يكون التحقيق الذي تم مع الطاعن ليس فقط باطلاً وإنما أيضاً منعدماً لعدم وجود أية مقومات للتحقيق، وبهذا الانعدام ينعدم القرار الصادر بالإحالة للمحاكمة التأديبية وما صدر بعد ذلك من قرار لمجلس التأديب لأنه من آثار هذه الإحالة الباطلة والمنعدمة، ويتعين الحكم بهذا الانعدام والبطلان وإعادة الأوراق إلى رئيس الجامعة لإعمال شئونه في إعادة التحقيق مع الطاعن على نحو صحيح.

 

كما أن أساس الدعوى التأديبية المقامة ضد الطاعن كان فيما قام به المحقق من تفريغ لأسطوانات تضمنت تسجيلاً لمحادثات تليفونية بين الطاعن وإحدى الطالبات...... وتضمنت ألفاظاً جنسية متبادلة ما كان يجب أن تصدر من الطاعن بوصفه أستاذاً جامعياً وقد قام المحقق بتفريغ هذه الأسطوانات بنفسه دون صياغة الأمر في صورته الشرعية الواجبة.

 

من يُنهي ندب مستشار التعليم.. القضاء أم الدستور؟

 

وقد جرم المشرع المصري عملية التنصت دون إذن قضائي أو موافقة صاحب الشأن حيث نظم المشرع المصري تلك المسألة في المادتين 309 مكرراً، 309مكرراً (أ) من قانون العقوبات المصري، حيث جرم الأفعال التي تشكل مساساً بحرمة الحياة الخاصة.

 

فإن قيام المحقق بتفريغ الأسطوانات المسجل عليها المكالمات دون عمل محضر وإحالتها للجهات المختصة لاتخاذ شئونها حتى يتبين مدى صحة قيام الطالبة بتسجيل هذه الأسطوانات في مكالمات بينها وبين الطاعن وكذلك معرفة ما إذا كان الصوت الموجود في الأسطوانات هو صوت الطاعن من عدمه، وعليه فعدم اتخاذ هذه الإجراءات يجعل ما قام به المحقق يتعين عدم الاعتداد بما أسفر عنه هذا التفريغ لتسجيل هو في الأصل غير قانوني ولا يمكن التعويل عليه.

 

وهو ما قام به مجلس التأديب الذي أشار في بداية القرار الصادر منه أن الصوت الوارد في الأسطوانات يرجح أن يكون صوت الطاعن إلا أن المجلس استبعد هذه التسجيلات من إدانة الطاعن وأقام إدانته على شهادات الطالبات التي لم يواجه بها الطاعن وهو ما يؤكد أن التحقيق قد أصابه عوار شديد يصل به إلى الانعدام وينعدم من ثم قرار الإحالة وقرار مجلس التأديب.

 

حكاية القائم بالأعمال مع التعليم الخاص بالقاهرة

 

فلهذه الأسباب حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً، وبانعدام القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالعزل من الوظيفة والقضاء مجدداً بانعدام التحقيق الذي تم مع الطاعن وانعدام الإحالة المترتبة عليه لمجلس التأديب وإعادة الأوراق إلى رئاسة الجامعة لاتخاذ شئونها، وإعادة إجراءات التحقيق وفقًا لصحيح حكم القانون.. وللحديث بقية.

الجريدة الرسمية