رئيس التحرير
عصام كامل

سن تقاعد القضاة ليس بيت القصيد


دشن الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أيام مبادرة لتحريك سفينة العدالة الناجزة في القضاء المصري بمفهومه الواسع، ليشمل كافة الجهات والهيئات القضائية، طالبًا من شيوخ القضاة تذليل كافة العقبات في طريق تحقيق العدالة المنشودة.


أفضل ما في تلك المبادرة أنها لم تكن وليدة لقاء عابر، فقد أكد الرئيس على كونه لقاءً دوريًا، لمناقشة المشكلات وآليات التغلب عليها، حيث الأسلوب الأمثل لحل المشكلات هو المتابعة المستمرة.

ولعلنا لا ننسى مؤتمر العدالة الأول الذي عُقد عام ١٩٨٦ ليكون بداية الطريق، ولكن للأسف لم يكن له ثان، ويبدو أن سبب ذلك هو ما حققه ذلك المؤتمر من مكاشفة للواقع، ووضع آليات تجاوزت سقف أمنيات القيادة السياسية في ذلك الوقت، كما لم تكن الحاجة مُلحة لتحقيق تلك الطموحات.

وتبدأ أولى خطوات الإصلاح بمطالعة الماضي القريب قبل الواقع الحالي، وقد تبدو ملامح المستقبل من نظرة مزدوجة بين الماضي والحاضر.

وقبل العودة إلى الماضي البعيد لا بد لنا من وقفة مع الماضي القريب، لنتعرف على أحد معوقات مسيرة الإصلاح، وتحديدًا عام ٢٠٠٧، وتحديدًا أكثر في ٢٢ أبريل من ذلك العام المميز في تاريخ السياسة المصرية، التي طالما امتلأت بالأعوام المميزة، حيث أرسل الدكتور فتحي سرور بوصفه رئيسًا لمجلس الشعب كتابة للمستشار ممدوح مرعى، وزير العدل في ذلك التاريخ لإبلاغه بتقدم الدكتور عبد الأحد جمال الدين، عضو المجلس وآخرين بطلب تعديل قانون السلطة القضائية وكافة قوانين الهيئات القضائية، مع طلب استطلاع رأي مجالس كافة الهيئات القضائية حول مشروع القانون.

وإلى هنا فلا غرابة في إجراءات تشريعية تحتمل الصواب والخطأ، ولكن الغرابة في أن يتم استطلاع رأي كافة الهيئات في ذات التاريخ، وليت اليوم انتهى عند إرسال مكاتبات استطلاع الرأي، ولكن لم تغرب شمس ذلك اليوم إلا باجتماع الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، لمناقشة مشروع القانون والموافقة عليه.

وعلى صعيد آخر وفي ذات التاريخ اجتمع مجلس القضاء الأعلى، وناقش المشروع المذكور وانتهى للموافقة عليه، وعلى غراره اجتمعت المجالس العليا للجهات والهيئات الأخرى، وانتهت جميعها للموافقة على ذات المشروع وفي ذات التاريخ أيضًا، وقبل أن يظن البعض أن ذلك اليوم قد انتهى بما له أو عليه، نضيف فقط أن جميع الهيئات والجهات القضائية بادرت بالرد على المستشار وزير العدل بالموافقة.

ولعل خير ختام لذلك اليوم الطويل "22 أبريل 2007"، هو أن يرد المستشار ممدوح مرعي رحمه الله على الدكتور فتحي سرور بما انتهت إليه الجهات والهيئات القضائية بشأن مشروع القانون، وهنا أُسدل الستار على ذلك اليوم الطويل، الذي انتهى بالموافقة على رفع سن تقاعد أعضاء الجهات والهيئات القضائية إلى السبعين عامًا، ذلك المشروع الذي لم يكن ممكنًا أن ينتظر إلى يوم ٢٣ أبريل 2007.

وليس رفع سن التقاعد أو خفضه هو بيت القصيد فهو مجرد رأي له مزاياه وعيوبه، ولكن المقصود هنا هو إلقاء الضوء على أن أول ما يلزمنا لتصحيح المسار هو الإرادة الحقيقية للتغيير، فحين تتوافر تلك الإرادة لن يستغرق التغيير والإصلاح سوى أيامًا قليلة من يوم ٢٢ أبريل ٢٠٠٧ المشهود، لتحقيق العدالة الناجزة التي دعا إليها السيد الرئيس.

ومن نافلة القول الإشارة إلى ضرورة تعديل قانون هيئة النيابة الإدارية الحالي، بما يضمن اضطلاعها بالأعباء الملقاة على عاتقها كأحد ركائز القضاء على الفساد الإداري في الدولة، وعلى النحو الذي يمكن أعضائها من تحقيق مبدأ الضمان، وهو صمام أمان لحماية الموظف العام من بطش القيادات وتغليب أهوائها، وكذا مبدأ الفاعلية لتحقيق العدالة الناجزة والضرب بيد من حديد على من يعبث بمقدرات هذا الوطن، وهو القانون الذي يدافع عنه أعضاء الهيئة ويطالبون به من عدة سنوات.

ولكن الأيام الطويلة لا تأتي كثيرًا، ولعلنا لا نستبق الأحداث حين نتوقع أن يأتي علينا أبريل المقبل بحزمة تشريعات تدفع قاطرة العدالة الناجزة إلى الأمام، وتحقق نتائج يلمسها المواطن البسيط.. وللـحـديـث بـقـيـة.


الجريدة الرسمية