رئيس التحرير
عصام كامل

رفقًا بالأزهر الشريف يا سادة!

تعالت مع الأسف فى الفترة الأخيرة موجة من النقد العنيف المنظم تجاه مؤسسة الأزهر الشريف، تمثلت فى تحميله المسؤولية المباشرة عن انتشار الفكر المتطرف فى المجتمع، وذلك لأسباب عديدة جاءت على لسان المنتقدين، كان أبرزها:

 

 

1- عدم قيامه بإصدار الفتاوى التى تكفر العناصر الخسيسة التى تقوم بالعمليات الإرهابية فى مصر.

2- عدم قيامه بتنقية مناهجه حتى الآن مما علق بها من آراء وأفكار يرى البعض أنه يمكن تفسيرها على نحو متشدد.

3- عدم قيامه ببذل الجهد الواجب نحو قضية تطوير الخطاب الدينى التى تمثل أحد أهم الأولويات الفكرية لدى الدولة فى الفترة الأخيرة.

 

ومع كل التقدير والاحترام لكل الآراء، أرى أن تحميل الأزهر للخطايا الفكرية، والثقافية، والسلوكية التى يعانى منها مجتمعنا منذ فترة طويلة، فيه ظلم شديد لهذه المؤسسة العريقة.

اقرأ أيضا: على أية حال!

 

فلطالما تربينا فكريا وأخلاقيا على أيدى نخبة أجلاء من علماء الأزهر الشريف فتعلمنا منهم كل ما يرتقى بفكرنا ويسمو بأخلاقنا، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

 

الشيخ  الجليل عبد الحليم محمود، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد عبد الرحمن بيصار، والشيخ جاد الحق على جاد الحق، وجميعهم تركوا ورائهم تراثًا علميًا، وأدبيًا، واخلاقيًا رائعًا، يذخر بالرحمة والمحبة والتسامح، والعلم الحقيقى الذى يستحق أن نقتدى به ونبنى عليه، كما سار على نهجهم أيضًا الإمام الجليل الخلوق شيخ الأزهر الحالى د. أحمد الطيب..

 

فهو شخصية علمية رفيعة المستوى، واسعة الخبرة، عميقة الثقافة، منفتحة على العصر ودارسة للفكر الإنسانى ومحيطة بتياراته، وهو من المفكرين المستنيرين، الذين يعملون بإخلاص في سبيل نشر الفكر الدينى الصحيح المبرأ من الغرض والهوى والغلوّ والتشدّد، وتشهد له بذلك عشرات المواقف التى لا يمكن أن تنسى لفضيلته في إدارته للأزمات، وفي مساعيه المتتالية لجمع كل الأطراف حول مائدة الحوار تحت قبة الأزهر..

 

ولقد تمكن الإمام الأكبر منذ توليه أمانة المسئولية من إعادة الأزهر وعلمائه إلى مكانتهم التي يستحقونها، واستطاع اكتساب حترام وثقة كبار قادة العالم ، فقد حقق فضيلته مكاسب جمة للأزهر من خلال زياراته الخارجية المتعددة لدول العالم شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا..

 

اقرأ أيضا: كن شجاعا!

 

ونلاحظ أيضًا حرص قادة العالم السياسيين على زيارة مشيخة الأزهر ضمن برنامج زياراتهم لمصر، وأبرزهم على سبيل المثال:

 أمين عام الأمم المتحدة والمستشارة الألمانية "ميركل" ورئيس البرتغال وكافة الرؤساء الأفارقة والآسيويون، وفى خلال جولاته الخارجية زار فضيلة الإمام الأكبر عدة دول أوروبية منها فرنسا وإيطاليا والفاتيكان وسويسرا وألمانيا والبرتغال، وأعاد للغرب ثقته في الأزهر منبع الوسطية الدينية الإسلامية التى تناقض وتحارب الفكر الدموى للجماعات الإرهابية التى أساءت للإسلام كثيرًا، وبات العالم يدرك الدور المحورى للأزهر في مواجهة الإرهاب وترسيخ أسس السلام العالمى.

 

وامتدت جولات فضيلته من أوروبا إلى أفريقيا وآسيا  لترسيخ مكانة الأزهر التي لم تهتز أبدًا في نفوس أبناء هذه الدول. وفى كل مكان كان يحل فيه شيخ الأزهر، كان يلقى استقبال زعماء الدول،  ليس فقط من رؤساء تلك الدول ورؤساء وزرائها وكبار مفكريها..

 

بل أيضا من أبناء الشعب الذين كانوا يلتفون حوله يرحبون به حاملين أعلام مصر ويغنون نشيد مصر الوطنى، وقد رأينا ذلك فى العديد من الفيديوهات الموثقة التى تجعل الدموع تفر من أعيننا من فرط جمالها ورونقها، ودلالة رسالاتها.

 

وقد تجلى هذا التأثير الكبير لفضيلة الإمام الأكبر فى اختياره الشخصية الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم لعامين متتاليين.

 

 اقرأ أيضا: أحسنوا الظن بالله!

 

وقد كان لقاء فضيلة الإمام الأكبر مع حضرة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مرتين الأولى فى القاهرة والثانية فى روما عام 2018 من أبرز اللقاءات، باعتبارهما يمثلان أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، وخلال اللقاءين كان العنوان الأهم هو التأكيد على العمل المشترك من أجل السلام الشامل بين جميع البشر.

 

وبالإضافة أن الأزهر الشريف هو أيقونة ومنارة العلوم الدينية فى الدول العربية والأفريقية والآسيوية، وفى العالم أجمع، فإنه يعتبر أيضًا مع الكنيسة المصرية حجرا الزاوية لجموع المواطنين فى الاسترشاد بالعلوم والآراء الدينية والأخلاقية الصحيحة، كما يشكلان سويًا أحد أهم أدوات القوى الناعمة المصرية.

 

ويحضرنى هنا أول مرة أزور فيها  كيانًا تابعًا للأزهر الشريف، وكان ذلك خلال العام الماضى عندما تشرفت بإلقاء عدة محاضرات فى ندوات رائعة نظمتها جامعة الازهر داخل وخارج القاهرة، وبكل أمانة استمتعت للغاية بالمستوى العلمى والثقافى والسلوكى لجميع الحاضرين، سواء من السادة أعضاء هيئة التدريس أو الطلاب، وتركوا لدى انطباعًا شديد الإيجابية عن هذه المؤسسة العريقة.

 

رفقاً بالأزهر يا سادة، فهو ليس مسؤولاً عن العديد من الخطايا التى ارتكبناها على مدى سنوات طويلة وكان لها الدور الرئيسى فى انتشار الفكر المتشدد والمتطرف.

 

فهو ليس مسئولًا بالتأكيد عن انهيار منظومتى التعليم والثقافة، ولا عن تراجع دور الأسرة فى التنشئة الأخلاقية السليمة، ولا عن انتشار المناطق العشوائية كانتشار النار فى الهشيم، وما نتج عنها من كوارث فكرية وسلوكية نعلمها جميعًا، ولا عن مهادنة وترك عناصر جماعة الإخوان الإرهابية تعمل بمنتهى الأريحية لعدة عقود فى استقطاب وتجنيد الشباب، والأطفال لاعتناق أفكارهم الظلامية العفنة، وتجريدهم من أعظم نعمة حباها الله لبنى الإنسان وهى نعمة التفكير، وتحويلهم لمسوخ بشرية مغيبة قابلة للانفجار فى أى وقت كما رأينا رؤى العين فى السنوات الأخيرة.

 

اقرأ أيضا: لو كنتم تعلمون!

 

وقد وصفت الكلمة التاريخية الرائعة التى ألقاها الإمام الطيب فى القمة الإسلامية - الأمريكية بالرياض منذ 3 سنوات فى مايو عام 2017، والتى حضرها عدد من كبار العلماء وزعماء الدول وقادة سياسيين ودبلوماسيين وشباب إلى جانب مفكرين وصناع رأي في مجال مكافحة الإرهاب من أكثر من 40 دولة، بالإضافة إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، توصيفًا دقيقًا لأصل مشكلة التطرف فى الوقت الراهن بكل أبعادها، وسبل علاجها، على المستوى المحلى والإقليمى والدولى ، وأرى أنه من المهم للغاية أن نسترجع معًا أبرز ما قاله فضيلته فيها، لأننا نحتاج الآن أكثر من أى وقت مضى أن نستحضر معانيها العميقة، وأن نعمل بها، حيث قال:

 

"أظنكم تتفقون معي في أنه لا وقت لدينا لتَرَفِ المُقدِّمات ومُحسِّنات الألفاظ والكلام المنمَّق وما إلى ذلك مِمَّا تُقيَّم به الكلماتُ والخُطَب في مثل هذه المحافِل المحوريَّة التى ترصُد الواقِع وأزماته.

 

أمَّا وجهة نظري التي أسعدُ بالمشاركةِ بها في هذه النَّدوَة الهامَّة فقد تَسْمَحُون لي أنْ أعرضها مُلخَّصة في أيجاز أرجو أن لا يكون مخلًا، وأن يعبِّر عن الواقع البئيس الذي يُعاني منه الشَّرق والغَرب الآن، أكثرَ مِمَّا تُعبِّر عن الأماني والآمال التي لا تنزل إلى أرض الواقع، ولا تواجه ما يجري عليه من مصائِب وآلام.

 

اقرأ أيضا: الاستخدام الصحيح!

 

- ولعله لا يتمارى أحد – الآن - في أنَّ عِلَّة العِلَل وأصل الدَّاء في أُمَّتنا العربيَّة والإسلاميَّة، هو نسيانُها الدَّائِم المُتكرِّر- عن قصدٍ أو غير قصد - لكتابهم الإلهي الكريم، الذي صنع منهم أُمَّة واحدة قادَت العالَم وأنارته وعلَّمَته قِيَم العدل والأخوَّة والمُساواة، وكيف يمتلكُ عناصر القُوَّة الماديَّة والمعنويَّة.

 

في هذا الكتاب المبين؛ الذي هو حُجَّةُ الله على المسلمين في الدنيا والآخرة، أيةٌ مُحكَمةٌ صريحةٌ تَنهَى المسلمين والقائمين على أمورهم، ومن بينهم: العُلَماءُ الذين هم ورَثَةُ الأنبياء، تنهاهم جميعًا عن التنازُع والتفرُّق والاختلاف، وتحذِّرهم من الفشلِ والوَهْن والهوان الذي ينتظرهم كنتيجةٍ حتميَّةٍ مؤكَّدة، إن هم خرجوا على هذا «القانون الإلهي» الذي عرفت قِيمتَه أمم أخرى استعصمت به وتوحَّدت مصالحها الكُبرى من حولِه رُغمَ تباينهم: لُغةً وعِرقًا وثقافةً ومذهبًا. هذه الآية هي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال :46] .

 

لننظُر أيهَا السَّادَة من حولنا، هل نجد لهذه الحُروب التي تأكلُ الأخضر واليابسَ من سببٍ غيرَ التَّنازعِ وما أدَّى إليه من فشلٍ وذهابِ رِيحٍ حذَّرنا منهما القُران الكريم! ولننظر كيف أنَّ الحربَ العالميَّةَ الأولى لم يَزِد عُمرها على سنواتٍ أربع، والحَربَ العالميَّة الثانية بدأت وانتهت في غضونِ سنواتٍ سِتٍّ. فكم من سَنَةٍ مضت الآن على الحرب التي اندلعت في منطقتِنا ولم يَخْبُ لها أوارٌ حتى الآن، وكلما أوشَكَت أن تكون وميضًا بُعثت من جديدِ لتكون أذكَى ضِرامًا مِمَّا كانت عليه.

اقرأ أيضا: تطوير التعليم بين الواقع والمأمول مرة أخرى!

 

وإنه وإن كانت الفُرقة هي أصلَ الدَّاء وعِلَّتَه؛ فإنَّ أمانةَ الكَلِمَة تستوجِب أنْ أضم لهذا السَّبب سببا آخر يَستغلَّ جَوَّ الاختلاف أسوأ استغلالٍ، وهو: الأطماع العالميَّة والإقليميَّة التي لا تزال تُفكِّر بعقلية المُستَعْمِرين، أو عقلية الحالمين باستعادة ماضٍ قام على نزعة التغلب العِرقي والتَّمدُّد الطائفي، وإن كانت هذه الأطماع المريضة مما لا يُقرّها الدِّينُ ولا الخُلُق الإنساني، وتأباها المواثيق الدوليَّة، ويرفُضُها شُرفاء العالَم المتحضِّر وحكماؤه.

 

اقرأ أيضا: قبل أن يجرفنا الطوفان!

 

إن هذا الدَّاءَ الذي أُصيبت به الأُمَّة أخيرًا، وأَطْمَعَ فيها أعداءها والمتربِّصينَ بها، لم يُؤتِ ثماره المُرَّة فقط فيما تركه من تقهقُرٍ وتخلُّف على كافة الأصعدة، وإنما كان له تأثيرُه البالِغُ السُّوء في فهم شريعة الإسلام واضطراب هذا الفهم في أذهان الناس، وبخاصةٍ الشبابَ منهم، هذا الأثرُ الذي تبلورَ أخيرًا في ظاهرة الغلو والتَّشدُّد والتطرُّف ، ثم الإرهاب - الذي استطاع بكلِّ مَرارة وألم - أن يُقدِّم هذا الدين الحنيف للعالَم في صُورة الدين المتعطش للقتل والذبح والدماء، وبصُورةٍ همجية وحشيةٍ لم يعرفها من قَبلُ تاريخ المسلمين الذي بلغ عُمرُه الآن ما يَقرُبُ من خمسةَ عَشَر قَرنًا من الزمان..

 

ولو أن أعدَى أعداءِ المسلمين أراد أن يَكِيدَ للإسلام وينفِّر منه ويصدَّ الناس عنه لما استطاع أن يَبلُغَ عُشْر مِعشارِ تأثيرِ صورة واحدةٍ من صور الذبح والقتل والتفجير في الآمنين، والتي تبثُّها بعضُ سائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عَمدًا وإصرارًا على تقديم دينِ الرحمة للعالَم في هذه الصورة البشعة المنفِّرة، وأنها الصورة التي يَجبُ على العالَم الآن أن يتصوَّر الإسلامَ من خلالها، ووراءَ ذلك من خيانة التاريخ والافتراء على الحقِّ والإنصافِ ما يكون عادةً وراءَ الأكَمَةِ عادةً من أيادٍ خفيَّةٍ تَعبثُ بمصائر الشُّعوب ومقدِّرات الأوطان.

 

وإذا كُنَّا بصدد البحث عن أهم أسباب هذه الظواهر الغريبةِ على الإسلام والمسلمين وحضارتهم شكلًا وموضوعًا وتاريخا؛ فإني لا أرتابُ في أن موجةً عاتية من ثقافة الكراهية غَزَت عقولَ بعضٍ من شبابنا المُغرَّرِ بهم، وهيَّأتهم لتنفيذ خطَّةٍ خبيثةٍ أُحكِم نَسجُها فيما وراء البحار، بعد ما وَجَدَت في سياسات التَّعليم ومُخرجاتِه في بلادنا منافذ أو نقاط ضعفٍ نفذوا منها إلى تجنيد هؤلاء في يُسْرٍ وسهولة ولا أريد أن أتوقَّف طويلًا عند أزمة التعليم في عالمنا العربي والإسلامي، وإنما أكتفي بالقول بأنه تعليمٌ سمحت بعضُ مناهجه بالتوقُّف عند التراكمات التاريخية لنزعات الغلوِّ والتشدُّد في تراثنا، والتي نشأت من تأويلاتٍ وتفسيراتٍ منحرفة لبعض نُصُوص القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة وأقوال الأئمة، أستُغِلَّت في فَرزِ عقائد الناس وتصنيفهم لأدنى سبب أو ملابسةٍ، ودفعت أصحاب الفهوم المعوَجَّة إلى أقوال فقهية وعقدية قيلت في نوازل ارتبطت بفترة زمنية معيَّنة، واتخذوا منها نصوصًا محكمةً وثوابتَ قطعية تُحاكي قواطع الكتاب والسُّنَّة، وجعلوا منها معيارًا للتبديع والتفسيق ثم التكفير.

 

وقد رأينا جماعاتهم يجترئون في اندفاع أهوج، وجهالة عمياء على تكفير الحُكَّام وتكفير المحكومين لأنهم رَضُوا بحُكَّامهم، وكذلك يُكفِّرون العلماء لأنهم لا يُكفِّرون الحكام، وهم يكفرون كلَّ من يرفضُ دعوتهم، ولا يبايع إمامهم، وكلَّ الجماعات التي لا تنضم إليهم، ولست في حاجة إلى تسليط الضوء على العلاقة الوُثقى بين مذاهب التكفير وبين ثقافة الكراهية ورفض الآخر وازدرائه، وقد زاد من نشر هذه الثقافة الكريهة استغلالُ هذه الفئة الضالة التقدم التقني الهائل في ترويج أفكارهم المسمومة بين الشباب، وبأساليب مدروسة تُغري ضحاياها بالارتباط العقلي والعاطفي ثم بالانخراط السلوكي والعملي.

 

اقرأ أيضا: ابحث عن طيور الظلام

 

أرجو ألا أكون قد كرَّرتُ على مسامِعِكُم كلامًا قد تعلمونه من قبلُ، ولكنه توطئةٌ - لا مَفَرَّ - منها للبحث عن مخرج غير تقليدي لهذه الأزمة التي ألصقت أشنعَ الجرائم وأبشعَها بالإسلام والمسلمين. وأزعمُ أن القراءاتِ الخاطئة لهذا الفكر التكفيري، والتباطؤَ في إدانته إدانةً حاسمةً، كلُّ ذلك ساعد على استفحال هذا الوَباء وانتشاره بين الشباب.

ومع كلِّ ذلك فلا أزعمُ أن النَّفَقَ كلَّه مُظلمٌ من أوله إلى آخرِه، فهناك العديد من نقاط الضوء والأمل، إن صحَّ العزم وخلصت النوايا واتحدت الكلمة وتوحَّدت المصلحة.

 

وإذا كنا قد اتفقنا على أن هذا الشباب إنما اختطف من بين أيدينا للأسباب التي ذكرناها، فعلينا أن نعترف في جِدِّية وشجاعة بوجوب إعادة النظر في التعليم ومناهجه بمختلف مراحله، وهذا يتطلب تنسيقًا جادًّا بين مسؤولي مؤسسات التعليم الديني ومسؤولي التربية والتعليم والجامعات، والثقافة والشباب والرياضة، لوضع إستراتيجية تعليمية متكاملة يُقدَّم فيها الدِّين في الصورة التي أرادها الله له: هُدًى ورحمة وتيسيرًا للناس ورفعًا للحرج عنهم، وإرساءً لمبدأ حُرمةِ الدِّماء، وعصمة الأموال والأعراض، وترسيخًا لقيم الأخوة والتسامح .

 

وإذا كُنَّا قد اتفقنا أيضًا على خطر الاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأزمة، فقد آن الأوان لنفكر جميعا للبحث عن وسيلة توقِفُ هذا الإغراق التكفيري والمذهبي والطائفي والذي يسبح في الفضاء الإلكتروني بلا ضابط ولا رابط، وتردعَ التسابق المحموم في إفساد الشباب، وتمنع المدّ التخريبي الذي يمهِّد لسياسات الاستعمار الجديد ومشاريع التقسيم والتجزئة وإذلال الشعوب.

 

هذا وقد تنبَّه الأزهر الشريف لهذا الخطر المحدِق بشباب الأمَّة؛ فأنشأ مرصدا إلكترونيا لمكافحة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتحصين الشباب من ثقافة العنف والكراهية، ويعملُ به أكثرُ من مئة باحث من شباب الأزهر، يبثون رسائلهم بإحدى عشرة لغة، وذلك في إطار إستراتيجية جديدة تستهدف توظيف كافة وسائل الاتصال الحديثة في التصدي للفكر الإرهابي.

 

رسالتي اليوم لبناتي وأبنائي من شباب الأمّة هي: أن يَستمسكوا بإسلامهم الذي يحترم إنسانية الإنسان، ويحرم القتل ويصون العِرض، ويعتزوا بنبيهم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس: إنما أنا رحمة مهداة».

 

واعلموا أيها الشباب أن الناس ينبذون الأديان ويكفرون بها حين يشيع فيها الغلو والتطرف، وحين يكون القتل أداة التعريف بها، وأسلوب الدعوة إليها، واعلموا أن المتطرف والإرهابي هما أسرع الناس مروقًا من الدِّين، وأن الساعين فى هدم الأوطان سيلعَنُهم التاريخ، وأنهم سيذهبون وتبقى الأوطان شاهدة على انحرافهم.

واعلموا أن سبل نشر الإسلام حددها القرآن الكريم في الحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن، وليس بالأحزمة الناسفة والمتفجرات.

 

اقرأ أيضا: المعاملة والمسئولية!

 

أيها الشباب المسلم كن سيِّد نفسك ولا تكن عبدًا لما تتلقاه من وسائل التواصل الاجتماعي من أباطيل وأضاليل. واعلم أنك مسؤول يوم القيامة عن «عقلك»: هل ميَّزت به بين الحق والباطل، أو رهنته لآخَرين يعبثون به كما يريدون ووقتما يشاؤون.

 

وختام كلمتي أذكِّرُ قادةَ "القمة العربية الإسلامية الأمريكية" وزعماءها بأن شعوب المنطقة التي مزقتها الحروب، وشرَّدت أهلَها فى الفيافي والقفار، وبدَّلت أمنهم رُعبا وفزَعا، وأذاقتهم مرارةَ اليُتمِ والثُّكْلِ والترمُّل وأورثتهم فقرًا ومرضًا وجوعًا تشريدًا، هذه الشعوب تنتظرُ من هذه القمة التاريخية قراراتٍ حاسمة، تقضي على الإرهاب وتجفِّف مصادره ومنابعه، وتوقِفُ العبثَ بدماء الشعوب وبأمن أوطانها ومقدَّراتها، وأن تضمن لها حقَّها في حياة آمنةِ وعَيش كريمٍ.

كما أذكِّر أن القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى تأتي في مقدمة القضايا التي تنتظرُ من هذه القمة العالميَّة وقفةً عادلةً تحقِّقُ الأمنَ والسلام والاستقرار لشعب فلسطين ولشعوب العالمين العربي والإسلامي".

 

حقيقة ما أبلغها من كلمات أصاب بها شيخ الأزهر الجليل كبد الحقيقة بمنتهى الأمانة والموضوعية، لذا أرجو أن يكون الحوار فيما يخص الأزهر الشريف فى المستقبل موضوعيًا وأمينًا ومهذبًا، وبما يتوافق مع قواعد وآداب الحوار التى تعلمناها صغارًا، وبعيدًا عن الصراخ، والتشنج، والتعصب والتطاول، لأن مكانة الأزهر العالية ستبقى محفورة إن شاء الله فى قلوب الملايين من محبيه فى جميع أنحاء العالم بمداد من ذهب إلى يوم الدين.. شاء من شاء، وأبى من أبى،  ولا يمكن أبدًا أن تخدش هذه المكانة أى كلمات جاهلة أو متنطعة.

 

إن دعم جهود الأزهر الشريف ومساندة رسالته السمحة، ليبقى دائماً حصناً منيعاً من حصون مصر المحروسة، هو أحد أهم متطلبات الأمن القومى، وأحد أساسيات تحقيق الصالح العام لبلادنا الغالية، وواجب مشترك لا يحتمل أى لبس بين كل المسئولين والمواطنين، فيجب علينا جميعًا أن نحرص على تحقيق ذلك.

حفظ الله بلادنا الغالية من كل مكروه وسوء.

الجريدة الرسمية