رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب يريد "دخول الحمَام"

متى تسقط الأمطار الغزيرة فى مصر ولا تتوقف الحياة فيها؟ سؤال يفرض نفسه بعد أحداث الخميس 12 مارس الماضى، والتى كانت فيه البلد شبه مغلقة بـ"الضبة والمفتاح"، حظر تجول اختياري.

 

شوارع خالية من البشر إلا من مياه الأمطار بارتفاع مترين وثلاثة وأربعة. أندية رياضية ومراكز تسوق تغلق أبوابها رسميا فى وجه أعضائها وزبائنها فى ظاهرة نراها لأول مرة فى مصر.

 

دعونا نعترف بشجاعة دون أن ندفن رؤوسنا فى الرمال –بعيدا عن مصطلحات إدارة الأزمة باحترافية التى روج لها الإعلام الحكومي- أن فقه الأولويات يستوجب توجيه بوصلة إنفاق حكومتنا إلى الضروريات وليس إلى أى شيء آخر، وأول هذه الأولويات تأسيس منظومة متكاملة للصرف الصحى ومياه الأمطار مهما تكلفت من مليارات.

 

اقرأ أيضا: عايز حقى

 

فما أكثر المليارات التى ننفقها على مشروعات ليست ذات أولوية الآن، صحيح أن البنية الأساسية "المهترئة" لمصر هى نتاج ميراث أنظمة وسياسات سابقة، ولكن لا يجوز أن يتكرر سيناريو تجمد وشلل الحياة فى مصر مع كل "شوية" أمطار غزيرة تسقط.

 

ولا يجوز أيضا تحديد إقامة شعب كامل قوامه 100 مليون شخص فى بيته، ثم قطع المياه عنه، ومنعه من دخول الحمامات لمدة وصلت فى بعض الأحياء والمناطق إلى 24 ساعة، بحجة أن كمية الأمطار أكبر من استيعاب شبكات الصرف -كما صرح مساعد وزير التنمية المحلية- وأن قطع المياه سيوقف تدفقها فى الشارع.

 

إن انقطاع الكهرباء عن معظم أحياء مصر الراقية والشعبية على السواء لساعات طويلة امتدت إلى 12 ساعة باعتراف وزير الكهرباء نفسه، وانقطاع المياه لمدة امتدت الى 24 ساعة كما اعترف وزير التنمية المحلية، وتوقف الحياة ومكوث الملايين فى بيوتهم تجنبا لخطر محدق أو محتمل بسبب سقوط أمطار غزيرة هى شهادة فشل لحكومتنا.

 

اقرأ ايضا: كلام فى الغلاء

 

فمنطق "الاحتياط واجب" قد يكون جائزا لتقليل الخسائر البشرية، ولكننا اتخذنا احتياطاتنا ومع ذلك سقط 20 مصريا –حسب الإحصائيات الرسمية- شهداء للمطر، فما بالنا لو لم نتخذ تلك الاحتياطات؟ ، كما أن الأمطار تسقط بالساعات المتواصلة فى دول كثيرة ولا نرى ظاهرة انقطاع المياه والكهرباء والنت أو شلل أو تعطيل أو تجمد الحياة بشكل كامل، فلسنا أقل من هذه الدول.

 

لقد كان لسان حال الشعب كله أيام الخميس والجمعة والسبت الماضية يردد عبارة "الشعب يريد دخول الحمَام"، وكانت صفحات التواصل الاجتماعى مليئة بالاستغاثات والنداءات لمسئولى شركات المياه، بعد أن استنفد الناس كل مخزون المياه لديهم.

 

أنا شخصيا مثل ملايين المصريين ظللت أحلم مثل كل جيرانى بصوت خرير المياه وهو يداعب المواسير فى طريقه إلى الحنفية، بعد أن انقطعت المياه فى المنطقة التى أسكن فيها 12 ساعة متواصلة وليومين متتاليين، وبلغ بى السخط مداه، لأنه مهما كانت المبررات، من غير الآدمية ولا الإنسانية أن تنقطع المياه أكثر من ساعتين أو ثلاثة على الأكثر.

       

اقرأ أيضا : غموض الضريبة العقارية

 

لماذا لاننهى تلك المشكلة المزمنة بحيث تصبح شبكات الصرف قادرة على استيعاب أى كمية من الأمطار؟ ولماذا لانؤسس شبكات لتصريف مياه الامطار كما فى دول أوروبا بحيث لا تصاب البلد بالشلل كما حدث مؤخرا؟.

 

ما حدث كشف أيضا عن تنامى دور هيئة الأرصاد فى التحذير المسبق من الكواراث، بحيث أنها هيأت أجهزة الدولة والمواطنين لمواجهة موجة الأمطار والسيول قبل حدوثها بوقت كاف، بعد أن كانت تداهمنا نفس الأمطار والسيول فى السابق بدون إنذار أو تحذير مسبق.

اقرأ أيضا: «وهم» المليارات في قانون المخالفات

والحقيقة أن نبوءات الأرصاد التى لا تتحقق زادت فى الفترة الأخيرة بعد أن صار خبر الطقس يحتل مساحة بارزة ومميزة فى كل المواقع الصحفية، فنشرة الأرصاد الجوية أصبحت تثير القلق كل يوم فى نفوس الناس، لأنها بصراحة تنفر ولا تبشر وتنبؤاتها تصيب قليلا وتخيب كثيرا وتجبر مئات الآلاف على المكوث فى بيوتهم وعدم النزول خوفا من عواصف ورياح ورمال وأمطار وزعابيب لا تأتي غالبا..

 

وقلت فى مقال سابق "يابتوع الأرصاد".. لاتصدعوا رؤوسنا، "نسألكم السكوت" أو على أقل تقدير "الهدوء قليلا" مالم يكن هناك شيء كارثى تحذرون منه . لا أملك إلا أن أوجه التحية لهيئة الأرصاد التى حذرت وصدقت هذه المرة بعد أن حذرت وخابت فى مرات كثيرة سابقة.

الجريدة الرسمية