رئيس التحرير
عصام كامل

مأساة المهرجانات ومفسد الجيل

لم تنته توابع حفل عيد الحب في ستاد القاهرة، حتى صدمت وزارة التعليم مرتين بسلوك طلابي غير قويم، ناتج عن التأثر بالفن الهابط والنجوم المفسدين، الذين حذرنا من تأثيرهم المدمر للأجيال عشرات المرات دون جدوى.

 

أرادت الحكومة إضفاء البهجة ولمسة ترفيهية غير معتادة على الشعب، عن طريق نقل مباشر لحفل كبير من ستاد القاهرة الدولي بمناسبة عيد الحب، ورغم أهمية الأسماء المشاركة وشعبيتها الطاغية أمثال بهاء سلطان، تامر حسني، ونانسي عجرم، كان لافتا الاستعانة بالثنائي حسن شاكوش وعمر كمال، صاحبي أغنية "بنت الجيران"..

 

صحيح أن الأغنية حققت نحو 100 مليون مشاهدة، وحلت ثانية على الصعيد العالمي، لكنها تنتمي إلى نوعية فن رديء مبتذل ولا تخلو من الإسفاف، وتتضمن كلمات عن "الخمور والحشيش"، هنا وجه الغرابة في الاستعانة بصاحبيها في حفل عام يشاهده على الهواء عشرات الملايين، ما يستدعي محاسبة عاجلة لمن اتفق معهما على المشاركة في الحفل، لأنه بهذا أسبغ الشرعية على فن مبتذل، حتى لو باتت الأغنية المذكورة "أيقونة"!.

 

اقرأ أيضا: نانسي وحمزة وحرب "الميديا"

 

أما تبرير “شاكوش” و”كمال” بأنهما غيرا  كلمات المقطع المبتذل بآخر وسلماه لإدارة الحفل، لكن حدث خطأ وتم بث الأغنية بصورتها القديمة، فهو عذر أقبح من ذنب، واعتراف بأن الأداء كان مسجلا "بلاي باك" وليس غناء "لايف"، وكان هذا واضحا أيضا مع الآخرين، بينما احترمت الفنانة نانسي عجرم الجمهور الكبير أمامها وغنت له "لايف" وبذلت مجهودا كبيرا واستحقت التفاعل الرائع والاستقبال الأروع.

 

أدرك الجميع فداحة ما حدث بعد حفل عيد الحب، فقرر نقيب الموسيقيين الفنان هاني شاكر، منع مطربي المهرجانات من الغناء في المنشآت السياحية والملاهي الليلية، والحفلات. وحذر “شاكر” من مغبة المخالفة "من يخالف القرار سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بما فيها عدم التعامل مع المنشأة".

 

اقرأ أيضا: ماجدة المنسية في حياتها ومماتها

 

 واعتبرت النقابة أن "أغاني المهرجانات، أفرزت حالة سيئة باتت تهدد الفن والثقافة العامة بإيقاعات الزار وكلمات موحية ترسخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية في كثير منه، ونتج عن هذه المهرجانات مستمعي الغريزة، وأصبح مؤدي المهرجان هو الأب الشرعي لهذا الانحدار الفني والتردي الأخلاقي، وقد أغرت حالة التردي هذه بعض نجوم السينما في المساهمة الفعالة والقوية في هذا الإسفاف، فبات من الضروري إعادة النظر في كافة تصاريح الغناء".

 

بيان النقابة صحيح تماما وبدأ تنفيذه ومطاردة مطربي المهرجانات، ولكن بعد أن كان محمد رمضان من بينهم كما أشار البيان، جرى التراجع عن منعه لأنه "يؤدي أغنيات راب موسيقية، والنقابة بها هذا المجال، أما مضمون ما يقدمه رمضان في الحفلات سواء كلمات الأغاني أو ارتداء ملابس غير لائقة، فهي ليست من اختصاص نقابة الموسيقيين بل من اختصاص الرقابة على المصنفات الفنية"!، وهذا في الحقيقة قمة التناقض لأن محمد رمضان المفسد الأول للجيل!.

 

كان حري بالنقابة أن تستغل حملة الجمهور المصري والعربي الواسعة لمقاطعة محمد رمضان وأعماله، وتعمل على تلقينه ما تريد من أدبيات التعامل مع الآخرين، التخفيف من الغرور، إصلاح ذاته المنتفخ، ونصحه بمراجعة طبيب نفسي يخلصه من عقد النقص والأنا المتضخمة، وأنه الأول دائما، والحقيقة غير ذلك تماما، فلولا سنوات الفوضى والمؤامرة، التي غابت فيها الدولة وسيطر الشبيحة والبلطجية، ما عرف رمضان الشهرة التي حققها بمغازلة هؤلاء بأفلام البلطجة والعشوائيات والفساد، فبات مفسد الجيل بلا منافس.

 

اقرأ أيضا: "ممالك النار" والهذيان التركي القطري

 

لكن كان يجب على المنتجين الانصراف عنه بعد أن استعادت الدولة توازنها، لكنهم ركضوا خلفه لاستثمار شهرته وجني الأرباح، فتضخمت ذاته أكثر، وحاول إيهام من حوله بأنه قادر على فعل كل شئ، وكانت النتيجة تسببه في سحب رخصة طيار ومنعه من العمل مدى الحياة..

 

بعد نشره مقطع فيديو في قمرة قيادة الطائرة أساء به إلى سمعة شركات الطيران المصرية وأظهر الدولة بصورة تستخف بركاب طائراتها وتخالف قانون الطيران الدولي، في وقت تسعى مصر جاهدة لاقناع دول العالم بأننا أكثر الدول التزاما بالمعايير والقوانين الدولية، وبدلا من تعويض الطيار استهزأ رمضان به وسخر منه، فثار عليه الجمهور داعيا إلى مقاطعة أعماله الهابطة والرديئة.

 

أمام تجاوزات محمد رمضان الدائمة وإفساده الجيل، يجب على الدولة أن تظهر له "العين الحمراء"، حتى يستقيم ويعرف حدوده، أو يظل في بيته بلا عمل رحمة بالجيل الجديد.

 

أما عن تأثير مغنيي المهرجانات، فتجلى في فيديو رقص طالبات مدرسة على أغنية "بنت الجيران"، فوجهت وزارة التعليم خطابا إلى مديريات التعليم لمنع بث أغنيات غير لائقة أخلاقيا في المدارس واختيار الأغنيات بعناية شديدة، ثم أتبعته ببيان ثان لتوضيح أن "الفيديو المتداول لرقص طالبات مدرسة على إحدى أغاني المهرجانات لمدرسة في ليبيا، وليس في مصر".

 

اقرأ أيضا: نادية لطفي.. مناضلة لا تطفئها الشمس

 

لكن لم تتمكن التعليم من إنكار فيديو متداول لطلاب مدرسة ثانوية بالمنوفية "يشاهدون كليبا لراقصة على شاشة السبورة الذكية في الفصل ويتفاعلون معها رقصاً"، ما أدى إلى فصل 22 طالبا، وإحالة مدير المدرسة و15 معلما للتحقيق.

 

رواج أغنيات المهرجانات وعدم القدرة على محاصرتها عبر منصات "السوشيال ميديا"، يجعل لزاما على الرقابة والنقابة إجبار أصحابها على تنقيتها من الكلمات المسفة المبتذلة والإيحاءات، والارتقاء بمحتواها، مع عدم الاستعانة بهم في الحفلات العامة، ومن يريد مشاهداتهم يذهب إليهم أو يستعين بهم في حفلاته الخاصة، حتى نخفف من تأثير المأساة.

الجريدة الرسمية