رئيس التحرير
عصام كامل

إيضاح الرقابة الإدارية ومسئولية مكافحة الفساد

في مقالي السابق "مصر بها عمرو رشيد"؛ أشدت ببيان هيئة الرقابة الإدارية برئاسة الوزير شريف سيف الدين؛ بشأن واقعة عرض رشوة على الدكتور عمرو رشيد نائب رئيس هيئة الإسعاف المصرية، الذي أبلغ عنها، ودعوت رئيس الرقابة الإدارية للإعلان عن كافة تفاصيلها؛ لننقل سيرة هذا النموذج الطيب للمجتمع والنشء، خاصة وأن عقودا مضت من الفساد جعلت أشكاله تتغير وتتبدل حتى طالت الذوق العام نفسه.

 

ظهر أمس الثلاثاء، تلقيت اتصالا هاتفيا من مسئول إعلامي رفيع بالرقابة الإدارية، قدم لي خلاله إيضاحا لدور الهيئة فى التحري والضبط وتقديم ملفات القضايا للنيابة التى تمثل جهة تحقيق واتهام؛ وبالتالي فإن بيانا للهيئة لم يفصح عن المزيد من تفاصيل القضية؛ يدعم استقلالية سير التحقيقات ولا يجور على صلاحيات جهة أخرى بيدها الأمر الآن.

 

اقرأ أيضا: ماذا تريدون من 15 مليون "جنة"؟

 

مكالمة المسئول بالهيئة؛ حملت إشارة إلى حجم الجهد المبذول والمضاعف من قبل ضباطها ورجالها خلال السنوات الأخيرة؛ والتي شهدت تأسيس بنية جديدة ورؤية متطورة لعملها، بالتوازى مع تطور تشريعي تابعناه مؤخرا بشأن ضمان استقلالية عمل الأجهزة والهيئات الرقابية، لتستضيف مصر فى يونيو الماضى؛ المؤتمر الأفريقي الأول لدعم الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد؛ لمناقشة مستقبل قارة شهدت تهريب نحو ٥٠ مليار دولار إلى خارج حدود بلدانها.

 

حقيقة؛ تحتاج مصر إلى إصلاح تشريعي كبير يدعم رقابة هيئاتها وأجهزتها على الموظفين العموميين؛ ويشدد العقوبات على غيرهم من المتاجرين بنفوذ الموظف العام، ويضيق هامشا يتيح فرصا كبيرة للإفساد أمام الموظف والمواطن وذوي المصالح غير الشرعية، ويقدم رؤية أكثر تطورا لتوفير بيئة استثمارية أفضل؛ لم نشهد نواة حقيقية لها دون جهد الهيئات الرقابية.

 

اقرأ أيضا: تحرير عقود الزواج هل يصبح حلا؟

 

دقة المعلومة الصادرة عن الجهات الرقابية وإعلامها؛ تجعلنا كافة أمام مسؤولية تضامنية كمؤسسات إعلامية وصحفيين ومواطنين؛ فيما يتعلق بالإبلاغ عن جرائم الفساد وإهدار المال العام وسرقة حقوق المصريين في العيش اللائق والأمن المجتمعي، وتضع المشرع أمام مسئولية أكبر لسن قوانين داعمة لحماية المبلغين والشهود فى قضايا الرشوة والفساد؛ وأظن أن هيئات رقابية ومؤسسات تفكر دوما فى تكريم خاص لهم؛ يليق بدورهم فى حماية المال العام.

 

فى شأن حجم الأموال المضبوطة فى قضايا الرشوة والفساد؛ تبرز مستجدات ربما لا ينتبه إليها مطالعو تقارير منظمات دولية؛ بينها مؤشرات التضخم وفروقات تثمين المشروعات التى شهدت عمليات تلاعب وفساد ضبطتها الجهات الرقابية، والإصرار على مقارنات دون وجاهة بين الأرقام السابقة الواردة بتقارير مضت وما استجدت من قضايا؛ ودون تمييز بين أوضاع مؤسسية سابقة ومتغيرات سهلت مهام جهات رقابية، بخلاف أن تصدير الأرقام الجامدة يرجح رؤية الغير الأحادية لواقع الاقتصاد؛ قبل أن ترسم خريطة ذهنية للمستثمرين عن مناخ العمل والفرص فى بلدان العالم.

 

الالتزام القوى من قبل الهيئات الرقابية فى مصر بالدستور؛ يعنى تطبيقا حيا لتصديق الحكومة على معاهدات دولية؛ بحسب المادة ٩٣ منه، خاصة اتفاقية مكافحة الفساد واتفاقية مكافحة غسل الأموال، وجهود "الرقابة الإدارية" يجعلها راعيا لبيئة أكثر ملائمة لحماية حقوق الإنسان؛ وحينما أنشأت الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد واستهدفت تدريب فئات شتى على آليات محاربته؛ بجانب حملات توعية المواطن؛ فقد قدمت نموذجا جديدا لإرادة مصرية مؤسسية للقضاء على قوى الفساد.

 

اقرأ أيضا: تشريع عقابي يؤجج الصراع الأسري

 

ليس من قبيل الصدفة أن تجد إنسانا متقلب المزاج والموقف تجاه قبول الرشوة أو الوقوع فى مستنقع الفساد؛ وقد قال الله عن النفس البشرية "فألهمها فجورها وتقواها"، وعن صاحبها "وهديناه النجدين"، ليسلك طريق الخير أو الشر؛ ويقبل لنفسه وأهله حراما أو يكتفى بالحلال ولو كان قليلا.

 

هناك مسئولية مجتمعية في مشاركة كل فرد ومؤسسة بخطة ورؤية وطنية جامعة لمكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله، لا نستثنى فى ذلك جهة، وربما هى فرصة لحوار جاد يستهدف بنتائجه تحويل مكافحة الفساد والإبلاغ عنه إلى "ثقافة"؛ فى مواجهة "ثقافة الفساد والإفساد" التى غارت على مجتمعنا خلال عقود مضت؛ لم تمنع تشريعات قاصرة تداعياتها علينا جميعا، لكن يظل الرهان المصري على مواقف الشرفاء محبي الوطن؛ هو الرابح.

الجريدة الرسمية