رئيس التحرير
عصام كامل

إيران تنهار


أؤكد أن الغضب الشعبي الذي تشهده أغلب المدن الإيرانية منذ أيام، لا يعود إلى إقدام النظام على رفع أسعار الوقود بشكل مبالغ فيه فحسب، ولكن إلى تراكم ممارسات سياسية واقتصادية خاطئة مارستها الأنظمة المتعاقبة منذ الإطاحة بنظام الشاه في عام 1079، حيث هوت بمستوى معيشة المواطن في بلد يعد من كبريات دول العالم إنتاجها للنفط إلى الحضيض.


فعلى العكس تماما مما يعلنه الرئيس الإيراني "حسن روحاني" من أن حكومته نجحت في عبور العاصفة السياسية والاقتصادية التي شنت على البلاد بنجاح، فإن المتمعن في الأمر يستطيع أن يكتشف بسهولة أن إيران تمر بكارثة اقتصادية لم تشهد لها مثيلا منذ غزو القوات "الانجلو - سوفيتية" للبلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك بفعل تأثير العقوبات الاقتصادية الكبيرة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على البلاد منذ مايو من العام الماضي، والتي ادت بالاقتصاد الإيراني إلى الانكماش بنسبة وصلت إلى 9.5%.

كما هوت قيمة الريـال الإيراني في مقابل الدولار بنحو 60%، وارتفعت معدلات التضخم إلى 42.7%، وتضرر فيه قطاع الإسكان بشكل كبير، حيث وارتفع خلال الأشهر ال 3 الماضية بنسبة 2.82%، كما ارتفعت القيمة الإيجارية للوحدات السكنية خلال ذات الفترة بعدل 9.1%، مما اجبر نحو مليون شخص إلى النزوح من المدن الكبرى إلى الريف بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، الذي يأتي متزامنا مع تراجع صادرات البترول من 3.8 مليون برميل إلى أقل من نصف مليون برميل يوميا، وتوقع البنك الدولي ألا يزيد معدل النمو في البلاد خلال العامين القادمين عن 0.5%.

وعلى الرغم من تعهد الجيش الإيراني بحماية ما أسماه "إنجازات النظام من المؤامرات التي يخطط لها أعداء الجمهورية الإسلامية" وتدخله في مواجهة المتظاهرين مستخدما القوة المفرطة، والرصاص الحي، بمساعد الحرس الثوري وقوات الباسيج، مما أسفر عن سقوط العشرات من الضحايا، إلا الواقع يؤكد أن النظام لن يستطيع مواجهة الغضب الشعبي القادم، حتى وان نجح في قمع تلك الموجة من الاحتجاجات، أو واجه المتظاهرين بأضعاف تلك القوة.

فالواقع على الأرض يؤكد أن القادم في إيران هو الأسوأ في تاريخ البلاد على الإطلاق، خاصة في ظل استمرار العقوبات الأمريكية، التي فرضت عزلة على أغلب القطاعات الحساسة في البلاد، خاصة قطاعات النفط والمواني والشحن والبتروكيماويات والسيارات، والحديد والصلب والألومنيوم، والتعاملات مع البنك المركزي والمؤسسات المالية الإيرانية، واستمرار سحبت كافة التفويضات الممنوحة للكيانات الأجنبية المملوكة أو التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في إيران، وسحب تراخيص صفقات الطائرات التجارية، والقطاع الصناعي الإيراني بشكل عام.

أؤكد أن كل ما سبق لا يجعل النظام الإيرانى يمتلك رفاهية التمادي في سياساته الكارثية مع العالم، وأن الكارثة تحتم عليه ضرورة السعي للجلوس مع الأمريكان لإعادة ترتيب الأوضاع فيما يتعلق برنامجه النووي، مع التخلي عن مشروعه الكارثي الطامع لبناء "الإمبراطورية الفارسية الشيعية" ذات النفوذ، والذي عملت كل الإدارات الإيرانية المتعاقبة على تحقيقه منذ الإطاحة بنظام الشاه، وبددوا من أجله مئات المليارات من الدولارات، وزرعوا بموجبه الفتن بين "السنة والشيعة" وجعلوا من إيران قاسم مشترك في كل مشكلات وكوارث المنطقة، خاصة في "سوريا والعراق اليمن والبحرين ولبنان".

للأسف، أن كل المقومات التي منحها الله لإيران سواء من موارد ومقومات وعقول بشرية وعلم وحضارة، تؤهلها بأن تكون "مشروع دولة عظمى" غير أن كل المؤشرات تؤكد أن سياسة النظام الخاطئة جعلت البلاد مقبلة على سيناريو اقتصادي أكثر سوادا، في الوقت الذي نفذ فيه صبر المواطن الإيراني، وأصبح لا يحتمل مزيدا من الضغوط، مما ينبئ بأن الانفجار قادم لا محاله.

العقل يقول، أن الانهيار الذي أصبحت البلاد على حافة السقوط فيه، يحتم على النظام ضرورة التحلي بالحكمة، والبدء على الفور في صياغة إستراتيجية تهدف إلى الالتفات إلى بناء الدولة، وإقامة علاقات سوية مع العالم، والكف عن التدخل في شئون الآخرين، وتوفير مليارات الدولارات التي ينفقها من أجل تصدير الفتن إلى دول المنطقة، وتوجيه تلك الأموال لصالح المواطن الإيراني المطحون.. وكفي
الجريدة الرسمية