رئيس التحرير
عصام كامل

المولد الشريف ومفهوم البدعة


العجب كل العجب ممن ينكر على أهل المحبة الاحتفال بذكرى مولد الحبيب الأعظم، والخليل الأكرم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ويدعي جهلا أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة وضلالة تدخل صاحبها النار، مستندا إلى الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"..


وهو يجهل تماما المفهوم الصحيح لكلمة البدعة التي تدخل صاحبها النار.. كلمة بدعة هي كل ما استحدث ولم يكن في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وليس كل ما استحدث ببدعة، ولا تؤخذ كلمة بدعة على إطلاقها، فهناك بدعة حسنة يؤجر ويثاب عليها صاحبها، وهناك بدعة سيئة تدخل صاحبها النار، وهي المنهي عنها، وهي التي تخرق أصل من أصول الدين أو تتنافى من صحيح الدين، وتخالف وتتعارض مع كتاب الله تعالى وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهديه القويم..

أما البدعة الحسنة التي يثاب فاعلها ويؤجر عليها من الله تعالى فهي المستحدث الذي لا يتعارض ولا ينافي صحيح الدين ولا يصطدم معه، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم وعلى آله: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينتقص من أجورهم شيئا. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينتقص من أوزارهم شيئا"..

هذا والله تعالى احتفل بمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما حدث يوم مولده الشريف من إغلاق أبواب النيران وتزين الجنة وفتح أبوابها وسقوط شرفات قصر "كسرى" وتصدعها إيذانا لميلاد الرحمة والعدل في الأرض، بعد أن ملأت جورا وظلما وإعلانا بسقوط مملكة التجبر والطغيان والظلم والجور في الأرض. وكذلك ما حدث لبحيرة "ساوه" التي فاضت بالماء وامتلأت جوانبها به إشارة إلى الحياة التي عادت إلى الأرض..

يقول تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ". هذا ومن محبة الله تعالى للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله ما ورد في الأثر أن الأمين "جبريل" عليه السلام يوم مولد الحبيب رأى أحداثا كونية تقع في عالم الملك والملكوت فنظر في اللوح المحفوظ الذي خطت فيه يد القدرة الإلهية مقادير الخلق، فعلم أن هذا اليوم يوم ميلاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وقرأ في اللوح أن الله تعالى قد قدر أن يولد النبي يتيما وينشأ ويتربى يتيما..

فسأل الحق سبحانه وتعالى عن حكمته في ذلك فأجابه سبحانه.. يا جبريل حتى لا يكن له حاضنا إلا أنا، وحتى لا يكن له مؤدبا إلا أنا، وحتى لا يكن له معلما إلا أنا..

وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".. والله تعالى يقول: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ".. من هنا ولأجل ذلك لنا الحق كل الحق ولنا عظيم الشرف في أن نفرح ونحتفل بنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وأتعجب ممن ينكر علينا ذلك بجهله وعدم فهمه، وأقول له: كيف لا نحتفل بمحبوب الإله الخالق سبحانه وتعالى. وكيف لا نحتفل بسيد السادات كريم الآباء والأمهات الذي أدبه ربه تعالى فأحسن تأديبه، وجعل خلقه القرآن وجعله رحمة للعالمين.

وكيف لا نحتفل بمن أخذ بأيدينا من الضلالة إلى الهدى، ومن براثن الشرك إلى أنوار التوحيد، ووقف حائلا بيننا وبين النار. وكيف لا نحتفل بمن جعله الله تعالى نورا لنا وهاديا ومرشدا ومعلما ومؤدبا. وكيف لا نحتفل بمن هو بنا رؤوفا رحيما وسراجا منيرا. وكيف لا نفرح ونحتفل بشفيعنا يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون..

وكيف لا نفرح ونحتفل بمن جعله الله تعالى نعمته العظمى.. وكيف لا نفرح ونحتفل بمن خصه ربه ومولاه جل في علاه بالصلاة عليه والمدح والثناء في قرآنه.. وكيف لا نفرح ونحتفل بمن هو حريص علينا وبنا رؤوف رحيم. وكيف لا نفرح ونحتفى بمن وقف باكيا يوما وهو يناجي ربه تعالى بقوله: "ربي أمتي. أمتي. أمتي. شغلني أمر أمتي فأجابه الله تعالى بقوله.. يا حبيبي يا محمد لو شئت لجعلت أمر أمتك في الآخرة لك.. فيرد صلى الله عليه وسلم وعلى آله قائلا.. اللهم إنك أرحم بأمتي مني.. فيقول له عز وجل.. وعزتي وجلالي لن أحزنك في أمتك فقد قسمت يوم القيامة بيني وبينك. فأنت تقول ربي أمتي أمتي أمتي. وأنا أقول لك.. رحمتي رحمتي رحمتي".. وكيف لا نفرح ونحتفل بمن شرفنا الله تعالى بالانتساب إليه وجعلنا من أمته.. خير أمة أخرجت للناس..
الجريدة الرسمية