رئيس التحرير
عصام كامل

شماعة "المؤامرات الخارجية" ضد النظام


هل هناك بالفعل أياد خارجية تحرك الأحداث المؤسفة التي شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية، أم أن ما يقوله الإعلام عن وجود مؤامرة خارجية مجرد "شماعة" لتبيض وجه النظام أمام موجة غضب شعبية نابعة من رغبة المصريين في الإطاحة بنظام السيسي؟ 


أؤكد أن السؤال ملح وحيوي، وخطر ببال كل المصريين البسطاء، وهم يتابعون عن كثب مجريات الأحداث في وسائل الإعلام المصرية، التي تنافست على معالجة الحدث من زاوية تؤكد يقينا بوجود "مؤامرة" في حين تناولت العديد من وسائل الإعلام الخارجية الأمر على أنه غضب شعبي يهدف إلى الإطاحة بالنظام، وهو ما خلق نوعا من الخلط والبلبلة لدى كثير من المصريين، خاصة في ظل حالة الاستنفار الأمني الملحوظة التي عمت البلاد.

ولأن الإجابة على السؤال تحتاج إلى نوع التريث والعقل، دون توجيه اتهامات جزافية لدولة أو شخص أو جماعة، فسأكتفي هنا بسرد بعض الأحداث، وترك الحكم لكم بوجود مؤامرة من عدمه.

يوم الجمعة قبل الماضي، الذي شهد اندلاع الأحداث في مصر، نشرت صحفية تركية تدعى "إسراء" مقربة من "حزب العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" تغريدة على حسابها على موقع تويتر، قامت بحذفها بعد دقائق معدودة، قالت فيها نصا: "اللي بيحصل في مصر يخلص أول ما السيسي يقعد يتكلم في موضوع غاز المتوسط" إلا أنه قبل حذف التغريدة بثوان، قام مستشار الرئيس التركي "ياسين أقطاي" صاحب التصريح الشهير بأن "تركيا تستخدم جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي لتحقيق أهدافها، ولتعظيم مكاسبهم في المنطقة" بعمل إعادة لتغريدة الصحفية التركية على حسابه الشخصي، للتأكيد على صحة ما نشر.

وفي ذات اليوم، خرج المقاول "محمد علي" بفيديو، قال فيه صراحة في الدقيقة 18 من الفيديو، بعد أن نظر في ورقة أمامه: "نرجع تاني، أنا شايف إن رئيس الجمهورية ده ملوش أي صلاحيات خالص، رئيس الجمهورية دا راجل image، بعد ما الشعب المصري مثلا عاوز يبيع أو يشارك دولة في حقل غاز، عاوز يجيب دولة تستثمر في حقل غاز، بعد ما الشعب موافق والحكومة وافقت يبدأ هو يروح يتعاقد ويوقع معاهم”.

ويوم الثلاثاء الماضي، شن "أردوغان" هجوما حادا على مصر، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطالب صراحة بضرورة اقتسام تركيا لثروات الغاز في البحر المتوسط مع الدول كل من مصر وقبرص واليونان.

وبعد كلمة "أردوغان" بدقائق، نشر "بيرات ألبيرق" وزير المالية التركي و"صهر الرئيس" تغريدة على حسابه الرسمي على موقع تويتر، قام بحذفها أيضا بعد دقائق، قال فيها "إذا لم أصل إلى هدفي عبر المفاوضات، سأسلك طرقًا أخرى".

الغريب في الأمر، أن كل ما أثير بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الأتراك عن "قضية غاز البحر المتوسط" لا حقوق لهم فيه، لأنهم باختصار يرغبون في إجبار "مصر واليونان وقبرص" للقبول بسياسة الأمر الواقع، وتركهم للتنقب عن الغاز في "جمهورية قبرص الشمالية" التي لا تمتلك تركيا فيها أية حقوق، وهو الأمر الذي رفضته الدول ال 3 ومعهم الولايات المتحدة الأمريكية، واتحاد الأوروبي.

ويؤكد الواقع أن "منطقة شرق البحر المتوسط" تقع على الحدود بين "مصر، وفلسطين، والاحتلال الإسرائيلي، والأردن، وقبرص، واليونان، ولبنان، وسوريا، وتركيا" وهي منطقة غنية بـ"الغاز" وشاء الله أن تقع كل الحقول المكتشفة خلال السنوات الأخيرة بالمياه الإقليمية المصرية والقبرصية، وتحديدا بالقرب من اليونان ودولة قبرص المحتلة، وهو ما استدعى الحكومة المصرية لتوقيع اتفاقيات لإعادة ترسيم الحدود مع الدولتين، قبل الإعلان عن اكتشاف "حقل ظهر" بالمياه الإقليمية المصرية، وحقل "أفروديتي" في المياه الإقليمية القبرصية.

إلا أن الاكتشافات الأخيرة استفزت "أنقرة" فقررت التنقيب في المنطقة التي احتلتها عام 1975 على واقع خلافات ثقافية واجتماعية اشتعلت بين شقى المجتمع المكون لسكان الجزيرة "اليونانيين والأتراك" حتى تدخل الجيش التركي، وقسم الجزيرة إلى دولتين "قبرص التركية" في الشمال، و"قبرص اليونانية" في الجنوب.

وعلى الرغم من عدم اعتراف أي من دول العالم بـ"الجمهورية الشمالية" التي سيطرت تركيا على كل أوجه الحياة فيها، لدرجة أنها ربطت اقتصادها بشكل كامل بالاقتصاد التركي، وجعلت "الليرة التركية" العملة الرسمية للجزيرة، إلا أن "أردوغان" ونظامه لا يبالون بتنديد المجتمع الدولي، وما يطالب به من حقوق غير مشروعية في مياه شرق المتوسط.

للأسف هكذا تدار المؤامرة، وتلك بعض ابعدها، وللشعب الخيار بين الانصياع لأطماع "أردوغان" والإطاحة بالنظام وإشاعة الفوضى، أو الاصطفاف لحماية مصر من سيناريو يعلم الله وحده إلى أين منتهاه، وكفى.
الجريدة الرسمية