رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نبني مدن ذكية.. العاصمة والعلمين ورفح الجديدة؟


هل كان الأفضل الاتجاه للصناعة من بناء المدن؟ سؤال يطرحه البعض بحسن أو سوء نية، ومع تكرار الأطروحة أصبح مسلما به عند العوام أن المدن الجديدة لا فائدة منها إلا للأغنياء وليس لعامة الشعب، فقد شرعت الدولة في إنشاء مدن الجيل الرابع كالعاصمة الإدارية، والمنصورة الجديدة، والعلمين الجديدة، وحدائق أكتوبر، والعبور الجديدة، وغرب قنا، وملوي الجديدة، ومدينتي رفح الجديدة وسلام مصر بسيناء..


وهناك عشرة أسباب دفعت الدولة لهذا النمط:

أولا: استحالة احتواء الزيادة السكانية في مطاق تفتقد لبنية تحتية ذكية، خاصة أن عدد سكان العالم سيصل في ٢٠٥٠ إلى ٩.٦ مليار نسمة، وسنحتاج إلى ما يعادل ثلاثة أمثال كوكب الأرض لتوفير الموارد الطبيعية لاستمرار أنماط الحياة الحالية.. إلى جانب تناقص ميزانيات المحليات، وإحصائيات البنك الدولي تؤكد أن ٥٤ ٪؜ من سكان العالم يعيشون في المدن، وأنه بحلول عام ٢٠٥٠ نسبة قاطني المدن بالبلدان النامية سيتخطي 70% إلى 80%؜ فيؤدي لزيادة الكثافة السكانية والتلوث الذي يؤثر ويتأثر بالتغير المناخي ومعدلات الجريمة، وتفاقم مشكلات النقل بدرجات يصعب السيطرة عليها..

فكل هذه المخاطر تقوض جهود التنمية المستدامة.. تتطلب حلولا ذكية مثل إحصائيات استهلاك الطاقة نحو الترشيد ومبادرات تتشارك فيها أطراف المصلحة في المجتمع لتواجه التحديات وتعد استثمارات المدن الذكية دافعا ومحركا اقتصاديا في استثمارات المستقبل وسهولة التمويل لتحقيق الاستدامة العالمية.. (راجع مقالتنا السابقة).

ثانيا: أصبحت شركات التكنولوجيا هي ٩ من ١٠ شركات لأكبر شركات عالمية، بعد أن كانت شركات البترول والطاقة هي الأقوى لعقود، وأصبح قطاع التكنولوجيا وهو اقتصاد خدمات هو الأكبر تأثيرا على الاقتصاد العالمي، وأصبحت التكنولوجيا أهم سلعة تؤثر في الاقتصاد العالمي بل وسميت النفط الجديد.

الحرب الاقتصادية هي بالأساس حرب تكنولوجيا خاصة في مجال 5G، إنترنت الأشياء internet of things الذي يعد أهم حلبات الصراع الدولي، وهو العنصر الرئيسي للمدن الذكية، ومؤخرا تدور المفاوضات في اتجاه بيع هواوي لشبكة 5G لشركة أوروبية للحفاظ على سرية المعلومات، لذا فالتكنولوجيا ليست رفاهية إنما واقع يحكم العالم اقتصاديا، وتنبأ "بوتين" منذ سنوات بهذه الحرب وقال: "أن من سيفوز من الطرفين في حرب الذكاء الصناعي سيصبح القوة العظمي". (راجع مقالتنا السابقة).

ثالثا: سبب الحرب الاقتصادية هو احتكار الصين لمحفزات الصناعة مستقبلا بدرجة تعجز دول الغرب عن منافستها، بسبب حصولها على مركز تنافسي في الإنتاج الكمي، لذا فإن خطط التنمية في الدول المتقدمة تستهدف اقتصاد الخدمات وليس الصناعة كأولوية، حيث اقتصاد الولايات المتحدة الخدمي٨٠٪؜، أيضا الهند ٦٦٪؜، والإمارات ٧٨٪؜، وهونج كونج وسنغافورة تماثلها، بينما اقتصاد الصين الخدمي ٤٤ ٪؜ والصناعي ٤٥٪؜، لذا يعتبره خبراء الاقتصاد خلل في هيكل الاقتصاد..

لأن القطاع الاقتصادي الخدمي (سياحة- صحة - تعليم - القطاع المالي -إنشاءات -اتصالات) هو المولد الأكبر لفرص العمل.. (راجع مقالتنا السابقة).

رابعا: في إحداثيات الثورة الصناعية الرابعة فان المصانع الحديثة المعتمدة على التكنولوجيا والذكاء الصناعي تتناقص فيها فرص العمل مستقبليا، وترتفع تكلفة فرصة العمل فيها على عكس الاقتصاد الخدمي.. ومن الصعب أن تنافس دولة لم تنخرط في أنماط الصناعة منذ عقود في الثورة الصناعية الرابعة، خاصة مع عدم وجود رجال أعمال صناعة أو خبراء أو عمالة صناعية. (راجع مقالتنا السابقة).

خامسا: صناعة التشييد كثيفة العمالة وتتناسب مع الخبرات المصرية التاريخية منذ بناء الهرم في صناعة التشييد، فهي متميزة إقليميا بدءا من المهندسين والعمالة التي عمرت دول الخليج إلى المصممين الذين خططوا دبي ومدن أخرى، وشركات انطلقت إلى قارات ودول مثل شركة المقاولين العرب، إلى جانب تميز مصر تنافسيا بالطبيعة والمناخ الذين يلزم توظيفهم نحو تنمية اقتصادية.

سادسا: حدث بيع الدولة للأرض بسعر بخس في الامتدادات العمرانية لأنها بدون مرافق ولا تتناسب بمساحاتها الشاسعة إلا مع قلة من المستثمرين القادرين على ضخ المليارات، دفع الدولة في التفكير لكسر فجوة العرض والطلب نحو دمج أكبر عدد من المطورين الأقل ماليا، كما حدث في العاصمة الإدارية لكسر الاحتكار وخلق جيل جديد من المطورين العقاريين وتعظيم مكاسب الدولة التي تمثل مصدر قوة واستثمار وداعم للوطن ضد أعدائه ستحقق الرخاء للشعب من خلال تطوير الخدمات.

سابعا: كانت مشكلة العقار في مصر منذ عقود الارتفاع السعري المطرد بسبب ارتفاع مستمر في عدد السكان وضيق مساحة الوادي، ولكن مع التوسع الأفقي وخلق دلتا سكانية جديدة في الصحراء الغربية فتختلف المعادلة خاصة مع توافر خدمات المدن الذكية كمحفز نحو جذب الاستثمارات الدولية والهجرة الداخلية... أيضا هناك مدن لتعمير سيناء وتحقيق السيادة ودمج أهل سيناء بالتنمية.

ثامنا: ما حققته مصر من استقرار أمني وسياسي دفع الأشقاء العرب لاعتبارها الوطن الثاني، ولعل أهم المؤشرات هو حجم الاستثمارات والمبيعات لحكام ولمواطني دول الخليج في المدن الجديدة، لأنها تنافس نمط الحياة الأوروبي، وقد تزداد موجات الهجرة تبعا لاستقرار الظروف السياسية في دول الخليج وليبيا وسوريا بما يدفع الحكومة المصرية للاستعداد للمستجدات القادمة ببناء مدن تخاطب الاحتياجات للشعوب الشقيقة.

تاسعا: أن تصدير العقار الفاخر حتميا ومردوده الاقتصادي أكبر أثرا من تصدير أي منتج ويدعم السياحة لأنه يضمن استدامة واختيار نوعية السائح من الطبقات الأكثر قدرة مادية واستهلاكا واستمرارية.

عاشرا: تخاطب مدن الجيل الرابع كل الفئات الاجتماعية والاقتصادية كمجتمعات متكاملة، وما يدور أنها تخاطب فئات دون غيرها عاري من الصحة، حيث إن سعر المتر السكني في أبراج العلمين الشاطئية قد يصل إلى ٧٥٠٠٠ جم خلال الصيف القادم، ولكن على الجانب الآخر هناك تخطيط لإيجاد محفزات اقتصادية لتصبح مدينة متكاملة وليست مصيفية، فيقام مجمع صناعات بتروكيماويات وميناء بترول ملحق به إسكان اقتصادي للعمال والموظفين، أيضا جامعات عالمية تحتاج إسكانا متوسطا..

وإن كانت البداية للعلمين إسكان سياحي في الأبراج الشاطئية فالهدف تسويقي ولصالح دولة وليس أشخاص، وبخطي تنافس مدينة دبي وبدرجة أسرع.

أخيرا، إن الصناعة هامة لتحقيق العجز بين الصادرات والواردات ولكن مصر لا تمتلك مقومات التنافسية العالمية، لذا لن نحقق إلا الاكتفاء الذاتي، وأن ما يتم إنجازه في مصر سواء من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أو من الرئيس السيسي هي خطوات وإنجازات وطنية لم ترها مصر منذ عقود، خاصة أنها أثبتت تماسك الدولة بعد أحداث الربيع العربي، وإن حدث وضمت المنظومة قلة من الأفاقين مثل المقاول الهارب "محمد على" فهذا وارد في حجم إنجازات تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات، ولكن الأهم أن يتم إقصاؤه خارج هذه الملحمة الوطنية...

وتهدف الأبحاث والدراسات في قطاع التشييد على ضبط التكلفة لصناعة تصعب فيها الرقابة المالية، لأنها بدون خط إنتاج بتكلفة محددة بدقة وصناعة بدون مصنع مغلق.. مقاول جاهل يعيش حياة البذخ ليس مقياسا للالتزام والإنجاز والمكتسبات، ولكن يطرح السؤال نفسه كيف حصل مقاول مفلس غير مؤهل هندسيا على عقد مقاولة تصنيف ( أ) لجامعة بحثية في أوروبا.. السؤال الثاني هل فيديوهاته عشوائية أم يقف خلفها مؤسسة بحثية تحلل توجيه مشاعر الرأي العام المصري.
الجريدة الرسمية