رئيس التحرير
عصام كامل

لبيك اللهم لبيك


يقول تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).. ويقول سبحانه: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).. فعندما أمر الحق سبحانه وتعالى خليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى آله أن يؤذن في الناس بالحج بعدما رفع قواعد بيت الله الحرام قال الخليل: ربي سبحانك، إلى أي مدى سيصل صوتي..


فأجابه سبحانه: يا إبراهيم عليك الأذان وعلينا البلاغ.. فنادي الخليل قائلا: أيها الناس إن الله تعالى قد بنى له بيتا فحجوه، فأسمع الحق سبحانه وتعالى بقدرته عز وجل صوته إلى كل البشرية في ظهور الآباء والأجداد فلبت أرواح المؤمنين واستجابت قائلة: لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك، ولم تلب باقي الأرواح.

هذا ومعلوم أن الأذان هو الدعوة الإلهية والتلبية هي إجابة الدعوة.. هذا والمقصود من الدعوة رب البيت سبحانه وتعالى، وليس البيت بعينه، إذا إن حقيقة الدعوة إليه عز وجل، وقد يقصر الفهم فيما يتعلق بالدعوة الإلهية وتلبيتها على مواقيت أداء مناسك الحج وشعائره، وإن كان ذلك صحيحا بالنسبة لعامة أهل الإيمان الذين كتب لهم الحق سبحانه وتعالى حج بيته الحرام.

أما بالنسبة إلى خاصة أهل الإيمان، وهم أهل محبة الله عز وجل وولايته وهم أهل القرب المشار إليهم بقوله تعالى: "والسابقون السابقون أولئك المقربون".. فهم في حال تلبية لله عز وجل دائمة غير قاصرة على مكان وزمان بعينه وغير قاصرة على مناسك وشعائر بعينها..

ولنوضح ذلك، حينما دعا الله تعالى الناس للإيمان لبى المؤمنون دعوة ربهم وقد أشار الله إلى ذلك بقوله على لسان المؤمنين (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)..

ودعاهم سبحانه وتعالى إلى الإسلام فلبوا واستجابوا وأسلموا له تعالى وجوههم. ودعاهم إلى العبادة والطاعة والاستقامة وذكره تعالى فلبوا والتزموا بإقامة أركان الدين وحدوده وبأمره تعالى ونهيه..

ودعاهم سبحانه وتعالى إلى الإحسان في كل شيء ورغبهم فيه بقوله تعالى: "إن الله يحب المحسنين".. وقوله سبحانه: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة".. فلبوا واستجابوا وأحسنوا في القول والفعل والعمل.. دعاهم إلى الصدق في كل ما يصدر عنهم حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).. فلبوا واستجابوا وشهد لهم الحق سبحانه فقال تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).

ودعاهم لمحبته عز وجل ومحبة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله. فلبوا واستجابوا وشهد لهم سبحانه وتعالى بذلك حيث قال تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله).. ودعاهم لذكره تعالى فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ).. فلبوا واستجابوا وذكروه تعالى بكل أنواع الذكر.

ذكر اللسان وذكر الجوارح فجعلوا كل جارحة حيث أمر سبحانه ولم يعصوه تعالى بها وذكروه بالقلب حتى خلا مما سواه سبحانه.. ودعاهم إلى الصبر والمثابرة وإلى الرضا بقضائه وقدره والشكر على نعمائه.. فلبوا واستجابوا فكان حالهم الصبر والمثابرة والرضا والتسليم والشكر..

وهكذا حال أهل محبة الله تعالى وولايته في حال تلبية دائمة لربهم ومحبوبهم عز وجل فلسان حالهم ناطقا في كل وقت وحال ومع كل نفس بقوله: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك..
الجريدة الرسمية