رئيس التحرير
عصام كامل

كفاكم نبشا في قبر "الشعراوي"


أتعجب كثيرا لتلك الهجمات المتكررة التي ما زال يتعرض لها الشيخ "محمد متولي الشعراوي"، على الرغم من مرور 21 عاما على وفاته، وتاريخه المشرف الذي أثرى خلاله المكتبة الإسلامية بمئات المؤلفات والأحاديث التي تحوي فكرا وسطيا مستنيرا، ساهم في تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة.


لعل ما يدعو للأسف في تلك الهجمات، أن هناك من يتعمدون النبش في القبور، واستغلال الرجل سياسيا بشكل بشع، لم يتعرض له رجل دين على مر العصور، لدرجة جعلت "كل التيارات"، بلا استثناء، توظف أجزاء من أحاديثه كما تشاء، وفي السياق الذي تريده، بعد استقطاع ما تشاء منها، ليتماشى والحدث الذي يخدم مصالحها، حتى ولو جاء مختلفا في معناه عما قاله الرجل، على طريقة "ولا تقربوا الصلاة".

وهو ما جعل حملات التشوية المتعاقبة التي يتعرض لها الشيخ الجليل، تأتي مواكبة سنويًا لذكرى نكسة يونيو 1967، من خلال استخدم "مقطع فيديو" تم اقتطاعه من سياق حديث طويل، يقول فيه "إنه سجد لله شكرًا عندما سمع بخبر هزيمة الجيش المصري في عام 67"، في حين أن المقطع في حقيقته يأتي ضمن حديث طويل تطرق خلاله لرد فعله كرجل دين من خبري الهزيمة والنصر في عامي 67 و73.

وهو ذات أسلوب الابتزاز الذي استخدمته الجماعات المتطرفة مع الرجل أيضا، عقب العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء، بعد عرض مقطع فيديو تم اقتطاعه من حديث طويل، يتحدث فيه عن مواصفات الشهيد"؛ مما جعل المعنى المعروض يظهر بشكل مغاير تماما لما قاله الرجل في الحديث الأصلي.

لقد وصل حجم التطاول على "الشعراوي"، وللأسف، إلى حد لا يمكن وصفه سوى بـ "السفالة" لدرجة أن "سفهاء" وصفوه بأنه "يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم، وأنه استخدم كل المنح الربانية التي أنعم بها عليه فيما يخدم التطرف"، ووصل حجم التطاول إلى وصفه في كتاب جامعي بـ "الدجال".

للأسف، أن كل "الجهلاء" الذين يتطاولون على "إمام الدعاة" يجهلون تاريخه، الذي يؤكد أنه لعب دورًا كبيرًا في النهوض بالإسلام الوسطي في العالم، وأنه طاف العالم من أقصاه إلى أقصاه، وألقى مئات المحاضرات عن الإسلام وسماحته في أماكن لم ولن تتاح لعالم غيره من العلماء.

كما لعب دورا محوريا في تجنيب البلاد كثيرا من الفتن، خاصة عندما اندلعت الأحداث الشهيرة بين الدولة، والجماعات الإسلامية، في الثمانينات من القرن الماضي، والتي أمطرت فيها الجماعات الإسلامية والجهادية مصر بعشرات الانفجارات والقتل والاغتيالات، فقام حينها بجمع علماء مصر وتبنى ما عرف بـ "بيان العلماء".

ولا أدرى كيف يصل حجم التطاول على "إمام الدعاء" إلى هذا الحد، على الرغم من مواقفه الشهير من الرئيس السادات، عندما سب "الشيخ المحلاوي"، إمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، في خطاب له على الهواء، قائلا: "أهو مرمى في السجن زى الكلب"، فقام الشعراوى بإرسال برقية للرئيس، قال فيها: "سيادة الرئيس.. يجب أن تعلم أن الأزهر لا يخرّج كلابا، ولكنه يخرّج علماء أفاضل ودعاة أمجادًا".

ولا أدري كيف لهؤلاء الجهلاء ممارسة مؤامرتهم لتشويه الرجل، على الرغم من موقفه الشهير أمام الرئيس الأسبق "حسني مبارك" عندما التقاه مع مجموعة من رجال الأزهر، عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها في أديس أبابا، وذلك في إطار هوجة نفاق حشدت لها الدولة، ووقف الرجل كعادته رافضا النفاق، وقال لمبارك: "أنا لن أنافقك وأنا أقف على عتبة دنياي.. إن كنت قدرنا نسأل الله أن يعيننا عليك.. وإن كنا نحن قدرك نسأل الله أن يعينك علينا".

وكيف لمن هاجموا "الشعراوى" أن ينسوا أنه كان له الفضل في إنشاء "البنوك الإسلامية" في مصر، عندما أصدر خلال توليه وزارة الأوقاف، قرارا بإنشاء "بنك فيصل" كأول بنك إسلامي في مصر، وعلى الرغم من أن هذا ليس من اختصاصاته، إلا أن مجلس الشعب وافق على قراره تقديرا لقيمته الدينية، وخرج البنك بالفعل إلى النور في عام 1977.
كفاكم نبشا في القبور، ارفعوا أيديكم عن "الشيخ الشعراوي" غفر الله لكم، وتجارز عن جهلكم.
الجريدة الرسمية