رئيس التحرير
عصام كامل

الحداية لا تلد كتاكيت


تقول الروائية العالمية "بيرل باك": "لو أردت فهم الحاضر فادرس الماضي"، و"بيرل باك" نتاج إنساني مدهش فهي من أبوين أمريكيين عاشت معظم سني حياتها بالصين.. درست في الصين وفي أمريكا وتفوقت في دراسة الأدب الإنجليزي، عاشت الحياة بين منعطفات ثقافية واقتصادية متنوعة.. من قاع الأزمات المالية إلى قمة المجد الأدبي بحصولها على جائزة نوبل في الأدب عام 1938.


هذا الخليط الثقافى والتأثر بقصص علاء الدين والفانوس السحرى وغوصها في الحياة الصينية وعودتها إلى الحضارة الجديدة في أمريكا، خلصت إلى أن من اراد فهم حاضره عليه دراسة ماضية.. أمريكا نفسها تعلمت الدرس واتقنت دراسة ماضي الأمم القديمة واستطاعت أن تصنع نموذجا قد لا يكون مثاليا غير أنه أكثر استدامة في محاولة البقاء على رأس القمة الإمبراطورية، بسبب تنوع مراكز الدراسات بها وقدرتها على التنبؤ ومن ثم البقاء أطول فترة ممكنة.

العرب لم يفهموا حاضرهم لأنهم لم يدرسوا تاريخهم.. في التاريخ العربي انقرض الإسهام الحضاري في أوقات استمد فيها الحكام شرعيتهم من خارج الحدود، وتصوروا أن البقاء على الكراسي أهم من رضا شعوبهم أو قدرتهم على التعاطى مع مشكلات الأمة وماضيها وواقعها المرير، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.. صورة مزرية توحى بأننا نعيش في حديقة من التابعين.. كل من أراد البقاء على صدر شعبه استمد شرعيته من علاقته بأمة أخرى.

في الوقت الذي قرر فيه كثير من العرب تصفية القضية الفلسطينية بحضور مؤتمرات غامضة وإدارة حوارات مرتبكة من عواصم عربية كثيرة يتراجع الفلسطينيون كثيرا أمام هذا المشهد العبثي.. الفلسطينيون يرون أن قضيتهم وتصفيتها باتت على الأبواب وبقرارات ومبادرات عربية ترغب في طى صفحة فلسطين للأبد بحلول تهضم القضية، وتنهى شرعية دولية رغم مرارتها إلا أنها كانت لا تزال تحفظ للفلسطينيين حقوقهم حتى ولو على الورق.

العرب الذين لم يدرسوا ماضيهم لا يعرفون أن استمالة الغير والبقاء تحت سلطة قوى أخرى لا يمنح شرعية، بل ينقض عليها بعد زوال الأسباب.. الأمثلة كثيرة فالقوي لا يحترم إلا القوي، لا وجود للضعفاء في هذا العالم.. ما الذي يجعلنا نلهث خلف حلول ندرك تماما أنها ستكون المعضلة التي نتركها لأجيال قد تكون لديها قدرات غير قدراتنا وإمكانيات غير امكانياتنا، فبقاء الحال من المحال.

ببساطة إذا أردنا أن نعرف لماذا نحن ضعفاء علينا أن ندرس ماضينا، لا لنبكى عليه أو لنجتر لحظات المجد التليد ولكن ليكون نبراسا لنا في تعاملنا مع الآخرين، فالحداية في موروثنا الشعبي لا تلد كتاكيت.. الحداية أو الحدأة تتغذى على الكتاكيت وكل الطيور الصغيرة، وأمريكا هي الحداية والثعلب وكل صنوف الشر على مدار تاريخ البشر!!
الجريدة الرسمية