رئيس التحرير
عصام كامل

مستقبل الاقتصاد المصري الرقمي.. الإحداثيات والتحديات


طرحنا في مقالات سابقة مستقبل الثورة الصناعية الرابعة من الاعتماد على الإنترنت 5G والذكاء الصناعي والتطور التكنولوجي والمدن الذكية، وأثرها السياسي والاقتصادي في تشكيل توازنات القوى.


يؤمن متخذو القرار في الحكومة المصرية بضرورة التطور الرقمي في شتى القطاعات من البنوك والتعليم إلى الصحة والرياضة، ولعل قانون "مور" الذي أطلقه "جوردان مور" أحد مؤسسي "إنتل" عام 1965، وهو يوضح أن حجم التسارع التكنولوجي المتوقع في عدد الترانزستورات في الشريحة أو الدائرة المتكاملة يتضاعف كل عامين، مما يعني كفاءة وإمكانيات أعلى وانخفاض تكلفة إلى جانب تطور الرقائق الإلكترونية بشكل مذهل ليس تراكميا وإنما تضاعفيا، أي أنه يسير بشكل متوالية هندسية وليس عددية، وبالتالي فإن تضاعف التكنولوجيا يتم كل عامين فقط..

وببساطة فإن ٢x٢=٤
٤x٤=٨
٨x٨=٦٤
٦٤x٦٤=٤٠٩٦... إلخ

هذا هو الحجم المتوقع لتضاعف التكنولوجيا مع انخفاض التكلفة، ففي الماضي كانت تكلفة الموبايل ضخمة أما اليوم هناك موبايل يناسب إمكانيات الطبقات الدنيا.

تفرض إحداثيات التطور التكنولوجي تنامي الابتكار، وإلى الجانب الآخر الفوضى المعلوماتية والاحتيال، كما يحددها "جارون لانير" في كتابه "من يملك المستقبل"... ويطرح سؤال هل أدى انتشار الإنترنت والتكنولوجيا لتنامي فرص العمل أم تضاؤلها؟ ولعل الترجمة الإلكترونية لجوجل هي أفضل مثال، فهى تمنح بلا مقابل، ولكنها جهد أناس لم يتقاضوا أجرا، وتسبب القضاء على مهنة الترجمة..

وأصبح المستخدم خارج معادلة توزيع الثروة مع تنامي ثروة جوجل، وعدم تحقيق المستخدم فائدة مادية إلى جانب استحواذ الشركات على معلومات المستخدم والاستفادة منها، لذا فإن مصطلح الخادم السيد siren servers التي تعمل على تجميع بيانات المستخدمين طواعية بما يشكل تنامي ثروة شركات التكنولوجيا وتناقص الأيدي العاملة لدى الشركات التقليدية، فعلى سبيل المثال تقدر قيمة شركة فيس بوك بتريليونات الدولارات، ولكن لا تساوي الشركة شيئا بلا مستخدميها الذين لا يتقاضون سنتا واحدًا، ولا يعتبروا مساهمين على الرغم من استخدام بيانات المستخدمين تجاريا، وهذه البيانات تمثل الثروة الحقيقية المستهدفة على المدى الطويل.

حسب قانون "مور" فإن تنامي نفوذ الخادم السيد siren servers سيصبح لا نهائي في عقدين من الزمن، مع جمع المعلومات ثم تحليلها واحتكار الأسواق، ولكن الأخطر مثلا هو أن عدد موظفي أمازون لا يمثل إلا جزءا ضئيلا من عدد موظفي تويوتا، وبالتالي تتجه مؤشرات توزيع الثروة الناتجة عن النمو الاقتصادي إلى المستثمرين الكبار في سوق تكنولوجيا المعلومات.. تكمن الأزمة مع انخفاض تكلفة التكنولوجيا المطرد بما يؤدي إلى فشل الطراز الاقتصادي التقليدي القائم على تعددية المنافسة مع ظاهرة احتكار البيانات والمعلومات.

مع سوء توزيع الثروة في تكنولوجيا المعلومات إلى جانب تناقص فرص العمل في المستقبل بما يسبب خللا اجتماعيا، وفي دراسة أعدها معهد ماكنزي ٢٠١٨بعنوان "تسخير الأتمتة من أجل مستقبل ضامن للشغل"، تبين أن نحو ٥٠٪؜ من الوظائف المتعارف عليها حاليا قابلة للأتمتة (التشغيل عبر التكنولوجيا والآلة) رغم أن ١٠٪؜ من الوظائف ستنتهي كليا قبل ٢٠٣٠، وتوقعت الدراسة أن ٦٠٪؜ من الوظائف ستخضع لتحولت تدريجيا وبالتالي ستكون هذه التحولات لها تأثيرات كبيرة نحو سوق العمل والموارد البشرية، وأيضا نمط التعليم..

وفي دراسة أخرى لنفس المعهد البحثي تبين أن هناك من ٤٠٠ مليون إلى ٨٠٠ مليون سيتأثرون بالتغير في نوعية الوظائف خلال العقد المقبل، لذا فإن تطور مهارات الفرد والمرونة في اكتساب مهارات جديدة والتعلم المستمر ستكون تحديا أمام الأيدي العاملة.

إن التخطيط نحو تشكيل نمط اقتصادي يتجاوز تحديات التقدم التكنولوجي وخلق منافسة وطنية تضمن عدم التلاعب بالمعلومات وسريتها يدفعنا إلى الاستثمار والابتكار في برامج الحماية الإلكترونية، ووضع ضوابط ومحاذير نحو استخدام المعلومات وتوجيه الرأي العام، إلى جانب احتواء تناقص فرص العمل من خلال التأهيل وتطوير الرأسمال البشري المصري، لخلق نموذج اقتصادي قادر على المنافسة.

في ٢٠١٨ حاز "بول رومر" على نوبل في الاقتصاد لنظرية النمو الاقتصادي، بتفكيك نموذج سولو وإعادة بنائه، استنادا إلى طبيعة ووزن عامل التقدم التقني للاقتصاد، الذي اعتبر سابقا خارجي المنشأ في تغيير معادلة النمو، بما أدي لإثبات فرضية أن التقدم التقني ليس عاملا خارجيا بل هو عامل ذاتي المنشأ، واصبح جزء من معادلة النمو الاقتصادي، ونشر رومر مقالة في Journal of Political Economy سنة ١٩٩٠ حول “التغير التكنولوجي ذاتي المنشأ”..

وقد حدد أربعة متغيرات تشكل معدل النمو الاقتصادي: الرأسمال النقدي والعمل والرأسمال البشري ومعدل التكنولوجيا في الدولة.. ليعيد المفهوم العلمي للنمو الاقتصادي.

إن تقرير الإيكونوميست Economist Intelligence Unit الصادر في ٢٠١٨ توقع لمصر أن يكون معدل النمو في ٢٠٢٢ نحو ٦.٥٪؜ ليكون ثالث اقتصاد في العالم، إلى جانب توقعاته بارتفاع سعر صرف الجنيه المصري إلى أقل من ١٧ جنيها أمام الدولار، ولكن ما زالت هناك تحديات ومتغيرات أمام متخذ القرار أهمها صياغة لشكل اقتصاد مصر المستقبلي كفعل مبادر وليس كرد فعل أمام الأزمات الاقتصادية العالمية المتوقعة.
الجريدة الرسمية