رئيس التحرير
عصام كامل

هوية مصر الاقتصادية الغامضة


كان خطاب الرئيس في عيد العمال إشارة واضحة لهيكلة كاملة بالقطاع العام، هيكلة ليست بالخصخصة الصريحة لصالح القطاع الخاص كما حدث بالسابق، بل ستصبح خصخصة مقننة جديدة في مضمونها، وستنتقل تدريجيا من قطاع إلى آخر مع تقييم مرحلي لكل تجربة منها، وسترتكز على الإدارة السليمة، وستخضع لقوانين لم يعتد عليها المصريون.. وسوف يقاومها البعض بعنف وعن جهل.


لأنها سوف تضر العمال الرافضين للعمل، من الكسالي الذين اعتادوا الأجر دون عمل داخل قطاع يحتاج حقا للإصلاح الجذري، ويحتار المرء عن هوية الاقتصاد في هذا البلد، وتحت أي تصنيف يمكن أن يدُرجَ الاقتصاد المصري (حر، رأسمالي، تعاوني، اشتراكي، إسلامي)، ولا أعتقد أننا ومنذ الانفتاح نطبق أي من النظم المعروفة في العالم، أو أن هناك معايير تحكم السوق المصري أصلًا.

دور الدولة غامض ومايع، لا حقوق للمستهلك، ولا سقف للربح، ولا نظام ضرائبي صارم، ولا تسعير للسلع الضرورية، ولا رقابة على الجودة أو المواصفات، ولا عدالة في التوزيع، وكلها أمور تنذر بانهيار السلام الاجتماعي.

البعض قد يرى الأسواق عامرة، والزحام شديد، والناس "بتصرف"، غير أن ما نراه في دائرة معارفنا وأسواقنا هو رواج شكلي زائف ومحاولة مستميتة من أهلنا من الطبقة الوسطى لترميم أطلال وضع اجتماعي يتهاوى، أما الطبقة الدنيا –ولها كل الاحترام– وهي الآن القاعدة العريضة فلها الله أولًا وأخيرًا، وجهود وزارة التضامن، حيث تشير وزارة التضامن إلى أن دائرة العمل الخيري المؤسسي في مصر وصل إنفاقها العام الماضي إلى أكثر من 55 مليار جنيه مصري – وهذا ما تم تسجيله في سجلات ميزانيات الجمعيات الخيرية - التي وصل عددها إلى أكثر من 24 ألف جمعية.

أما التبرعات والزكوات والصدقات المباشرة فهي أكثر من ذلك، ويكفى أن نعلم أن إحدى الجمعيات تلقت تبرعات العام الماضي بلغت 327 مليون جنيه ولا يوجد بلد يسعى للتنمية والاستقرار، تكتفى فيه مؤسسات الدولة بدور المشاهد لمعركة غير متكافئة بين جشع مستورد وتاجر وصاحب شركة ومستشفى ومدرسة وجزار من ناحية، ومواطن مطحون من ناحية أخرى، وما يحدث من فوضي في السوق يحدث مثله في بقية القطاعات. 

وخذ مثلا قطاع الإعلان والإعلام، حيث تتجه مصر إلى سوق الكيانات الإعلامية الكبيرة، من خلال كيان واحد كبير هو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي استحوذت على مجموعة دي ميديا الإعلامية المالكة لمجموعة قنوات DMC وراديو ٩٠٩٠.

الشركة المتحدة أيضا مالكة لمجموعة إعلام المصريين، المالكة لقنوات ON والحياة وحصة كبيرة في قنوات CBC ومجموعة من محطات الراديو والصحف والمجلات والمواقع الصحفية، ومجموعة من وكالات الإعلان والتسويق والعلاقات العامة وشركات الإنتاج الفني والسينمائي.

نعم الاستثمار في مجال الاعلام يتطلب قدرات وإمكانيات مالية عالية تستطيع أن توفره الكيانات الإعلامية الكبيرة، والعديد من دول العالم يوجد بها مثل هذا الاستثمار وهذه الكيانات. ولكن في مقابل ذلك توجد كيانات أخرى تتنافس معها لصالح المشاهد والمجتمع، لأن ما يحدث لا يمكن تصنيفه وفق أي فلسفة اقتصادية، وفِي ظني أن مقتل مصر في الكيانات أو الشركات التي تتمحك في أجهزة الدولة، لكى تحصل على أعمال لا تجيد القيام بها.

وأيضا الفوضى في العلاقة بين المالك والمستأجر في المنازل ومعها فوضي اتحاد الشاغلين. فبعد التطبيق العملي لقانون اتحاد الشاغلين الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 على مدى عشر سنوات، ظهرت بعض المشكلات، ويرجع ذلك غالبا إلى عدم فهم الشاغلين للتطبيق الصحيح للقانون، ولا الجهة الإدارية، وهي الحي، وقصور التشريع للغرض الذي من أجله صدر القانون، وهو حماية الثروة العقارية للدولة وحماية الأملاك الخاصة للملاك.

وبالتالي فإن هناك هدر ونزيف للثروة العقارية في مصر، والكل يكتفي بالمشاهدة وخلاصة الحكاية هي فوضي الهوية الاقتصادية في هذا البلد ما بين رأسمالي -عند الحاجة لحرية الأسواق- واشتراكي -عند الضرورة لربط الأحزمة- وإسلامي -عند الحاجة للتبرعات باسم الزكاوات والصدقات-.

الجريدة الرسمية