رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الأم ومفهوم البدعة


بمناسبة الاحتفال بعيد الأم أرسل خالص التهاني لكل الأمهات، داعيا المولى عز وجل أن يرحم المتوفاة منهن برحمته الواسعة، وأن يسكنهن فسيح جناته، وأن يبارك في الأحياء منهن، وأعتقد أن الواجب ألا يقصر الاحتفال بالأم وتكريمها في يوم واحد من كل عام، بل يجب أن يحتفل بها في كل لحظة، فهي صاحبة أعظم فضل على الأبناء، وهي أحق الناس بالصحبة، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..


والأم هي أعلى رمز للرحمة والحنان والعاطفة والإيثار والبذل والتضحية والفداء والعطاء والصبر والتحمل، وهي التي تعطي بكليتها دون انتظار مقابل، وهي الحضن الدافئ، والملاذ الآمن، وهي التي جعل الحق سبحانه وتعالى رضاها من رضاه، والجنة تحت أقدامها، وجعل سبحانه برها والإحسان إليها سببا لرضاه تعالى ولدخول الجنة.

هذا ومن المحزن والمؤسف أنه ما زالت تتعالى أصوات الجهلاء وأصحاب المفاهيم الجامدة الضيقة المغلقة العقيمة في كل ذكرى احتفال بعيد الأم بإنكاره، وتبديعه واعتباره شيئا مستحدثا ولا أصل له في الدين، وأنه بدعة وضلالة تؤدي بصاحبها إلى النار، أخذا بظاهر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"..

ولا شك أن هذا الفهم للحديث النبوي الشريف فهم خاطئ لمفهوم البدعة، فليس كل شيء محدث ببدعة وضلالة على الإطلاق، وإنما المعني بالبدعة والضلالة هو ما فيه خرق ومخالفة لأصل من أصول الدين وثوابته، ويخالف منهج الشريعة الغراء، ويتنافى مع أصول الدين وقواعده..

وهناك أمور محدثة أقرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بل أثنى على أصحابها، وجعل لصاحبها أجرا وفضلا، وهذا ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينتقص من أوزارهم شيء"..

إذا فهناك سنن مستحدثة يثاب ويأجر عليها أصحابها، وهناك سنن مستحدثة يأثم ويعاقب عليها أصحابها، والفيصل في ذلك موافقة منهج الشريعة واصولها.. هذا وإذا راجعنا ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بحقوق الوالدين بصفة عامة والأم بصفة خاصة، نجد أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أمر بطاعتهما وببرهما، والإحسان إليهما وتكريمهما، وأوجب طاعتهما في كل الأمور عدا الشرك بالله تعالى.

ولقد ذكرهما الله تعالى بعد قضاءه بعبادته عز وجل مباشرة حيث قال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"...

هذا ولقد عد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من الكبائر ومن المهلكات.. إذا الاحتفال بعيد الأم ليس ببدعة سيئة وضلالة كما يفهم أصحاب المفاهيم المغلوطة الجامدة، بل هو سنة حسنة، والواجب الأخذ بها، وخاصة في هذا الزمان الذي تفشى فيه عقوق الوالدين والإساءة إليهما، وجحود فضلهما والذكرى والتذكير أمر واجب..

ختاما رحم الله المتوفاة من أمهاتنا برحمته الواسعة، وبارك في الأحياء منهن، وكل لحظة والأمهات طيبات وبخير.. رزقنا الله تعالى الفهم الصحيح لديننا الحنيف وحفظنا من جهل الجهلاء وغبائهم..
الجريدة الرسمية