رئيس التحرير
عصام كامل

منابع كراهية المسلمين


كيف يوصف هذا الزمان في الزمان القادم؟ سوف تتعدد الأوصاف، لكن لفظا واحدا سيجمع كل المساوئ. هو زمان الكراهية. بكل المعايير، تجاوزت الكراهية، كل صور البشاعة التي عرفتها البشرية في مراحل تطورها المختلفة. وحشية الإنسان زمان كانت بسبب بدائيته، وجهله، وجوعه وطمعه. وحشية الإنسان الآن بسبب علمه وتحضره وشبعه وطمعه.


اجتمع النقيضان في الإنسان الواحد، فصار ذلك الوحش الذي قتل وأصاب بدم بارد وأذاع على الهواء، لملايين المتابعين في فيس بوك، عشرات المصلين المسلمين الأبرياء وهم ركع سجود في مسجدين في بلد بعيد جدا عن أحداث الدنيا ومصائبها. نيوزيلندا في أقصى الجنوب الشرقي من أستراليا، آخر قارات الدنيا. من أين جاء الأسترالي ترينتون سفاح المسلمين الإرهابي بكل هذا القدر من الكراهية للإسلام وأهله؟

في مذكرة تفسيرية كتبها في ٧٣ صفحة، كشف عن رغبته في الانتقام التاريخي، الانتقام بأثر رجعي، في تلميح إلى الدور الدموى للعثمانيين في حملات الإبادة للأرمن وغيرهم في أوروبا وقت سيادة الخلافة العثمانية المتخلفة!

من أين تلقى الإرهابى الكراهية؟
تلقاها من مصدرين، لا يجوز إنكار أحدهما أبدا، وهو الجرائم البشعة المنحطة للكفار من الدواعش، والإرهابيين من الإخوان. هؤلاء يعيشون على الأرض الأوروبية، يأكلون ويشربون ويعملون ويقبضون إعانات بطالة ولهم لجوء، وهم يصلون، ويتعلمون، وفي قلوبهم مرض!

إنهم يعتبرون الأوروبيين قوما كافرين. لا بأس إذن من نشر الدعوة هناك بالتكفير والتفجير. مصدر الكراهية إذن هنا مسلمون خوارج.
مصدر الكراهية الثانى مترتب على المصدر الأول، وهو نشوء حركات متطرفة ردا على التطرف المنسوب للإسلام.

وفي الأساس، فإن أوروبا لم تكن بحاجة إلى ظاهرة الإرهاب المنسوب إلى الإسلام، لأنها عرفت على مدى الحقب التاريخية الدامية فيها فصول من التطرف الديني ثم السياسي اليميني، ثم التطرف اليساري، وما كانت الحرب العالمية الثانية إلا ثمرة مرة ومريرة من ثمار صعود المد الاشتراكي الوطنى المعروف بالنازية، وهي صورة بشعة للكراهية، والعنصرية، والقتل على الهوية.

إيطاليا عرفت التطرف والإرهاب اليميني، وكذلك بريطانيا ومعارك الكاثوليك والبروتستانت، وتعيش فرنسا الآن الآم صعود معاداة اليهود والسامية وحرق بعض منازلهم وتمييزها بإشارات نازية كما كان فعل النازيون في عهد هتلر.

لا يمكن فصل حالة الثورات الشعبية الكاسحة حاليا، لأسباب ظاهرية مرتبطة بالخبز والحرية، في بلدان مثل فرنسا والجزائر وحتى قطاع غزة، ومن قبلها سوريا وتونس وليبيا، عن دورة التاريخ الحتمية، فهى زلازل سياسية تعبيرا عن انتقالات جيوسياسية. سوف يعقب كل هذه التفاعلات انقلابات في موازين القوى. الوقود المحرك لكل هذا هو زيت الكراهية اللعين. الاسم الحركى الشائع حاليا هو صعود الشعبوية. ومع الرغبة في إضفاء لفظ راق بديلا عن ايحاءات الفوضوية المرتبطة بالشعبوية، صك السياسيون تعبير الوطنية البيضاء White Nationalism.

افضل تلخيص لها هو سفاح نيوزيلندا ترينتون تارانت. هو مؤمن تماما بالسادة والتفوق والسيطرة للرجل الأبيض. ومؤمن أن أي أجنبي لونا وعرقا ودينا هو من الغزاة، ويجب قطع دابره أو رقبته. هذه الفلسفة الدموية لا تنفصل قط عن الفلسفة الألمانية التي ولدت النازية. ومن ثم، فإن الأب الروحي للوطنية البيضاء هو دونالد ترامب بلا منازع. سفاح نيوزيلندا نسب جريمته إلى فكر ترامب!
ترامب تبرأ من الجريمة، لكن أفعاله كلها كراهية للأجانب، وبالذات المسلمين.

جعلنا العالم يكرهنا بأفعالنا، وهو أساسا قابل للعنصرية.. مهما تحصر وارتقى. تغيير نظرة العالم إلينا سبيله الوحيد أن نكون مسلمين حقا، بالعقل وبالعلم وبالتحضر.. إن لم نفعل فنحن أهداف للرماية من كل صوب!، إن الشيء الأبشع من المذبحة حقا هو كم التأييد المرعب شعبيا ورسميا من دول كثيرة.. أظهرت موقفها في تصريحات وفي بوستات.

ولو أبعدنا مشاعرنا قليلا فإن روح التشفي وتبرير المذبحة الذي قدمه السناتور الأسترالي كان صحيحا رغم قسوته ومجافاته للذوق والتوقيت. تلك حقيقة. قال أنتم اليوم ضحايا لكنكم كنتم المنفذين أو الفاعلين دائما.
الغرب يتطرف ضدنا. انتبهوا.
الجريدة الرسمية