رئيس التحرير
عصام كامل

روتين الحكومة يهدد ثروة النباتات الطبية.. اتحاد المستثمرين يفشل في زراعة «أراضي الأقصر».. وبني سويف تنافس الدول الغربية.. البلاستيك أزمة النباتات العطرية.. ورفض صادرات البقدونس بسبب «ال

فيتو

«البيروقراطية».. العدو الأول للتنمية، تمتلك من الأدوات المُعطلة الكثير والكثير، وهناك أفكار انهارت قبل أن تبدأ بسبب «الروتين»، ومشروعات توقفت لأن «اللائحة ما تسمحش»، وكانت «النباتات العطرية» ضمن قائمة «ضحايا البيروقراطية».


50 ألف فدان

مؤخرًا.. بدأت لجنة الصحة والدواء، التابعة لاتحاد جمعيات المستثمرين، مساعيها لزراعة ما يقرب من 50 ألف فدان بـ«النباتات العطرية والطبية» في محافظة الأقصر، غير أنها– وكالعادة- اصطدمت بجدار البيروقراطية والروتين الذي من شأنه أن يعيق تنفيذ هذا المشروع الضخم، ويعطل استثمارات بالمليارات يسهل دخولها إلى خزانة الدولة المصرية.

وتوضيحًا للعقبات التي واجهت مشروع «لجنة الصحة والدواء» قال الدكتور محيي حافظ، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، رئيس اللجنة: الاتحاد كان يعتزم زراعة ٦ أنواع من المحاصيل الطبية والعطرية خلال هذا العام بمحافظة الأقصر، حيث يعتزم الاتحاد زراعة نحو ١١.٣٠٠ ألف فدان صالحة للزراعة النظيفة وهي مرحلة أولى، وكان يستهدف ٥٠ ألف فدان، إلا أن الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء وافقت على زراعة نحو ٣٤٠٠ فدان فقط.

20 سنة

كما أن المثير للدهشة والغضب أن الموافقة جاءت منقوصة، حيث تم منح المساحة لمدة ٢٠ سنة فقط حق انتفاع بدلا من ٥٠ سنة على أن تعود الأرض للمحافظة مرة أخرى، وهو ما يخالف مخطط اتحاد المستثمرين ومشروعه الممتد، والذي يسعى من خلاله للحد من استيراد المواد الخام من العطور ومستخلصاتها لصناعة الأدوية والعطور.

وأضاف: الاتحاد أرسل مذكرة الأسبوع الماضى لمجلس الوزراء يشرح فيها أسباب اعتراضه على تخفيض المساحة المسموح بزراعتها، وتقليص مدة حق الانتفاع إلى ٢٠ عامًا بدلا من ٥٠ سنة.

المكملات الغذائية

«د.حافظ» كشف أن الاتحاد يستهدف من المشروع تصنيع المكملات الغذائية والمادة الخام، والخلاصات المرجعية وجذب الزراعة للاستثمار في النباتات الطبية والعطرية، لافتا إلى أن محافظة الأقصر سبق أن أعلنت عن دعمها لذلك المشروع العملاق، الذي يستهدف أن تكون مصر ثاني دول العالم في التصنيع الدوائي من خلال التصنيع والتصدير، ويتميز المشروع بدعم فريق عمل قادر على إنجاح المشروع.

من جانبه قال محسن الجبالى رئيس جمعية مستثمري بنى سويف: محافظة بني سويف من كبرى المحافظات على مستوى العالم في زراعة النباتات الطبية، حيث تقدر المساحة المزروعة بتلك النباتات بنحو 11 ألف فدان، ويتم تصدير منتجاتها إلى دول أوروبا لاستخدامها في إنتاج الأدوية والعطور، ومن أهم النباتات العطرية التي تصلح لتصنيفها كنباتات طبية، الريحان، العطر والنعناع، والشيح البابونج، والكمون، وغيرها.

وأضاف: بنى سويف نجحت في ٣ مراكز بها هي (أهناسيا، ببا، وسمسطا)، في زراعة مساحات كبيرة من النباتات الطبية، ومنها ما تميز في تقطير واستخلاص الزيوت من نبات العتر، حيث أقيمت الغلايات في الزراعات، ويتم تكرير واستخلاص الزيوت العطرية من هذا النبات وتصديره، أما باقى المحاصيل العطرية فيتم بيعها كما هي، كما أوضح أن «صناعة عصر وتقطير العطور وتنقيتها وتصديرها من أهم الصناعات الواعدة التي يجب على الدولة الاهتمام بها»، لافتا إلى أنه لا يوجد اهتمام من جانب وزارتي الصناعة والزراعة بهذه المنتجات التي تباع بأسعار بخسة، في حين يتم تصديرها بأسعار عالية، مطالبا بضرورة اهتمام الدولة بهذه المنتجات لكونها تحقق عوائد ضخمة من العملة الأجنبية.

وكشف أن «مشروعات زراعة النباتات الطبية في بنى سويف تصل إلى 69 ألف فدان بهذه النباتات، ومن أهم النباتات المزروعة للتصدير البابونج، النعناع، البردقوش، الشمر، الكمون، الريحان، حبة البركة، الأقحوان، حشيشة الليمون، العتر».

2100 نوع
وتعد النباتات الطبية والعطرية الموجودة في مصر أكثر من 2100 نوع من النباتات البرية وفيها 350 نوعا لها استخدامات طبية، وتأتى محافظة المنيا على رأس المحافظات التي يتم فيها زراعة النباتات الطبية والعطرية بنسبة 34%، تليها محافظة الفيوم بنسبة 20% ثم بنى سويف بنسبة 17%، ثم محافظة أسيوط بنسبة 10%، وتتوزع نسبة 19% على باقى المحافظات، وتأتى صادرات الأعشاب والنباتات الطبية والعطرية في المرتبة الخامسة من الصادرات الزراعية المصرية، ويتم تصدير 90% من إنتاجها بما يمثل نحو 50 ألف طن سنويا.

من جهته، قال الدكتور محمد عبد الوهاب أستاذ النباتات الطبية والعطرية في مركز بحوث الصحراء إن مساحة النباتات الطبية في مصر تصل إلى 85 ألف فدان، وأن المنيا تتصدر المساحات في مصر، حيث تتركز فيها 70% من الزراعات، مشيرا إلى أن أغلب مساحة مصر تصلح لزراعة النباتات العطرية، ولكن تركزها في محافظات الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط هو نتيجة تراكم خبرات عائلات كثيرة هناك.

وأكد أن هناك مناطق جديدة بدأت تدخل فيها زراعة النباتات العطرية كغرب المنيا والواحات البحرية والنوبارية، لافتا إلى أن مصر يجب أن تبحث أولا عن تحسين جودة النباتات العطرية قبل مرحلة التوسع، وأن هناك نباتات مصر هي المورد الرئيسي لها عالميا مثل الكاموميل والريحان أو البردقوش والملوخية الجافة، فنحن لنا الريادة في ذلك، وأيضا الشمر الذي نحتل فيه المركز الثاني بعد الهند، وبشكل عام الإنتاج لدينا يكفي الاستهلاك المحلي والتصدير، لكن لدينا أزمة كبيرة في الجودة أصبحت تؤدي إلى رفض صادراتنا من تلك الزراعات، وأهمها متبقيات المبيدات التي تتركز في بعض زراعات النباتات العطرية، رغم التحول إلى الأراضي الجديدة لكن بنفس العقليات القديمة فانتقلت نفس الممارسات.

إلى جانب ذلك فإن البلاستيك أصبح أكبر مشكلة للنباتات العطرية، لأن هناك مقالب للقمامة في الصحراء جوار الأراضي المزروعة بالنباتات العطرية، وأصبحنا نواجه مشكلتين هما وجود قطع البلاستيك في المحصول وصعوبة فصله بالغربلة، وهناك بالفعل طلبات كبيرة على الريحان المصري لكن المنتجات ملوثة بالبلاستيك، إلى جانب أن قرى بني سويف والفيوم تواجه مشكلة في التصدير، لأن المحاصيل هناك ملوثة ببكتريا الأيكولاي، لعدم وجود نظام صرف صحي وزيادة الحمل الميكروبي.

وكشف أن تصدير البقدونس المزروع من أصناف محلية مطلوب عالميا، لكنه حاليا أصبح مرفوضا لأن بذوره مخلوطة بالكرفس لتشابه البذرتين، وعدم وجود وعي من المزارعين، فأصبحنا مضطرين لاستيراد البذور من الخارج، رغم ارتفاع تكلفتها وسط صعوبة إنتاجها محليا، لكننا مضطرين للاستيراد للوفاء بمتطلبات العميل، ودعا الدكتور محمد عبد الوهاب إلى تسهيل حصول المستثمرين على الأراضي لعمل المزارع ومناشر التجفيف،لأن زراعة النباتات العطرية تستوعب عمالة كبيرة، وتشكل حلا في بعض المناطق لاستيعاب البطالة، ويجب أيضا أن نعمل على تدريب اليد العاملة وتثقيفها، لأن التعامل مع النباتات العطرية له معايير خاصة يجب استيعابها، ولفت إلى أن مصر تصدر جزءا كبيرا في الشكل الخام، ثم يعود في شكل خامات دوائية.

والأفضل أن نصنع الدرجة الثالثة من تلك النباتات ونستخدمها في الصناعات الدوائية، أو نصدرها بقيمة أعلى من بيع المنتج خام، ولكن هذا غير متاح الآن، ولا توجد فكرة تصنيع تلك الخامات دوائيا وهو ملف يجب الاهتمام به، خاصة وأن دولة كالهند حولت الطب الشعبي لديها المسمي بالأيوش إلى طب بديل، أصبح مسموحا به في الاتحاد الأوروبي، لكن في مصر فإن المتولين سوق النباتات الطبية لا يعملون وفق معايير علمية وأغلب الوصفات الطبيعية مسجلة في وزارة الصحة كمكملات غذائية.

زعتر العرش أصبح في منظومة الصادرات المصرية، وهو من النباتات البرية، ولدينا الآن نحو 2500 نبات، وبدلا من جمعها وتصديرها يجب أن نستأنسها ونكثرها ونزرعها ونصدرها كخامات دوائية، والحبق والزعتر الأورجاني نجحا في غزو الأسواق العالمية، ويجب أن تحصر النباتات البرية ذات القيمة الطبية العالية، ونبحث إنتاجها بشكل اقتصادي ونستخدمها كبدائل للخامات الطبية المستوردة، والأساس العلمي لذلك موجود في مركز بحوث الصحراء وغيره من مراكز الأبحاث، وهذا دور الدولة أن تحدد ما تريده من أبحاث لتبدأ التصنيع الدوائي والتصدير إلى الخارج، خاصة سوق أفريقيا الواسع، والمتعطش للمنتجات الدوائية.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية