رئيس التحرير
عصام كامل

في محبة أقباط صنعوا التاريخ.. «ديوان التاريخ» يونان لبيب رزق.. أسس مركز تاريخ الأهرام

الدكتور يونان لبيب
الدكتور يونان لبيب رزق

حينما تحتفل "فيتو" في عيدها الثامن المتزامن مع احتفالات أعياد الميلاد بأقباط صنعوا التاريخ، لابد أن يذكر واحد من أبرز المؤرخين المعاصرين وهو الدكتور يونان لبيب رزق. فقد أرسى مدرسة تاريخية عظيمة، وكان لعطائه مردود، فكانت صفحته بالأهرام (ديوان الحياة المعاصرة) كل يوم خميس عرضا شيقا لتاريخ مصر، من خلال إعادة نشر وتحليل ما نشرته الأهرام، عبر سنواتها الطويلة منذ صدورها.


وضع لبيب رزق اللبنة الأولى لمركز تاريخ الأهرام عام 1976، ليكون ذاكرة أمينة لتاريخ مصر الحديث، ومن خلالها طبق قاعدته الشهيرة أنه لا يوجد في التاريخ أبيض وأسود، وأنه لا ينطوى فقط على الشياطين والملائكة.

في بيت جده ــ مأمور قسم الأزبكية ــــ كانت النشأة الأولى، توفى والده وتولت والدته تربيته مع شقيقتيه، أحب القراءة منذ طفولته، وكان سور الأزبكية ملاذه كى يحصل على الكتب، وبعد حصوله على الثانوية التحق بكلية العلوم، إلا أن حبه للأدب تغلب عليه، فالتحق بكلية الآداب قسم التاريخ، الذي يعشق القراءة فيه، وبعد التخرج عمل مدرسا في التعليم الثانوى بمدينة الإسماعيلية، واستكمل في نفس الوقت دراساته العليا، ثم انتقل إلى القاهرة لتدريس التاريخ بمدرسة خليل أغا الثانوية، وحصل على الماجستير عام 1963 وكانت دراسته حول تاريخ السودان الحديث بعنوان (العلاقات الخارجية للدولة المهدية بين عامى 1885 و1898).

أعد الدكتوراه حول السودان في عهد الحكم الثنائى بين عامى 1899 و1924، والتحق بالبعثة العلمية إلى السودان، للاطلاع على محفوظات دار الوثائق بالخرطوم، ثم انتدب بعدها للتدريس بكلية آداب عين شمس، ثم كلية البنات التي عين بها لمدة أربع سنوات.

في عام 1965 بدأت علاقته بالصحافة، عندما بدأ الكتابة في مجلة الهلال ثم بدأت علاقته بالأهرام أواخر الستينيات من خلال الأستاذ محمد حسنين هيكل، حين طلب منه من خلال الدكتور عبد الملك عودة، كتابة بعض المقالات التاريخية للأهرام.

وفى عام 1991 طلب منه لطفى الخولى إنشاء مركز لكتابة تاريخ الأهرام، ثم تعاقدت معه الأهرام لتحرير صفحة كاملة عن تاريخ الأهرام بعنوان (ديوان الحياة المعاصرة)، ووصل عدد الحلقات حتى وفاته ما يزيد على 700 صفحة، كما ترجمت في نفس الوقت إلى الإنجليزية ونشرت في الأهرام ويكلى.

حين أراد منه السادات إعادة كتابة تاريخ مصر، وكان للدكتور يونان تحفظات على السادات، فضل ترك البلاد، ليعمل معارا في المغرب بجامعة محمد بن عبدالله بمدينة فاس، وعاد إلى مصر عقب اغتيال السادات.

الدكتور يونان هو صاحب فضل كبير في عودة طابا إلى مصر، فقد أرسى أسلوبا جديدا في الدراسات التاريخية يقوم على العودة إلى الأوراق الخاصة، وسافر إلى إنجلترا على حسابه الخاص للبحث في الأرشيف الإنجليزى، عن وثائق تفيده، حتى أنه اضطر لبيع بعض ميراثه للحصول على بعض هذه الوثائق، ودفع آلاف الجنيهات في تصوير هذه الوثائق،وقبل وفاته بسنوات أهدى مركز تاريخ مصر بالأهرام نسخة ميكروفيلمية من الوثائق، حتى أنه عثر على مراسلات بين الجنود عام 1906 ومن بينها خطاب من مجند على الحدود المصرية ليلة عيد الميلاد إلى جندى آخر من إنجلترا يبدى خلاله الأول أسفه من بقائه وحيدا في مثل تلك الليلة على حدود مصر وفلسطين لحراسة النقطة الحدودية المصرية طابا.

وهذا الخطاب هو الذي حسم القضية أثناء تحكيم طابا، ولم يصرح الدكتور يونان بهذه المعلومة إلا عندما وجه إليه شاب انتقادا في معرض الكتاب 2005، حين قال له في ندوته: إن التاريخ علم غير مؤثر. فذكر الدكتور يونان للشاب هذه الواقعة، حتى يدرك الجميع مدى أهمية علم التاريخ.

كان هو المؤرخ المصرى الذي اختارته الخارجية المصرية لعضوية هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا ووضع كتابا مهما بعنوان (طابا قضية العصر).

أدى نجاح الدكتور يونان لبيب رزق في تحكيم طابا إلى استعانة الخارجية به كعضو في مؤتمر مدريد عام 1990، وكان عضوا أيضا في المفاوضات السودانية حول حلايب وشلاتين 1992 ــ 1993.

حصل على جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية عام 2004، فعلق عليها بقوله: "نحن لا نحرث في البحر"، ليلخص مشاعر رجل أعطى وأرسى مدرسة تاريخية حديثة.


"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية