رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تحقق المدن الذكية التنمية المستدامة؟


مؤخرا تعاقدت "هانيويل" الأمريكية على تنفيذ البنية التحتية للعاصمة الإدارية كمدينة ذكية، وحيث إن رؤية مصر ٢٠٣٠ تدعم مفهوم المدن المستدامة للحفاظ على الموارد المتاحة مع زيادة عدد السكان وتأثيرات الطاقة من جهة وحماية كوكب الأرض من جهة أخرى. فهناك 194 دولة وقعت على اتفاق «باريس للمناخ 2015» لمواجهة التحديات والمتغيرات البيئية والاجتماعية ولا يلزم أن تتحقق بالتكنولوجيا. 


ولكن المدن الذكية أحد المسارات التي تسهل تحقيق معايير المدن المستدامة، ونشير إلى أن المدن لا تكون مستدامة بمجرد الاعتماد على التكنولوجيا، ولا تسهم التطبيقات الذكية بالضرورة في التنمية المستدامة، ولكن يمكن استخدام التكنولوجيا الذكية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويجب الإشارة أن الاعتماد على التكنولوجيا يمكن أن يكون مستخدما من فئات مجتمعية أو مجالات اقتصادية محدودة دون أن يصبح داعما للاستدامة من كل المجتمع والإدارة المحلية.

إن الدافع الأول نحو مدن ذكية من خلال العولمة هو تغير شكل الاقتصاد العالمي الذي أصبح مؤثرا في النمط الاقتصادي الذي شكل المدن القديمة، ففي عام ٢٠١٦ أصبحت قائمة أكبر عشر شركات عالمية تسعة منها تعمل في نطاق التكنولوجيا، رغم أنه في ٢٠٠٦ كانت شركات الطاقة تتصدر المشهد بما يغير خريطة الاستثمار العالمي، في ظل إحداثيات العولمة، لذا فإن مفهوم المدن الذكية أصبح واقعا مع تطور تقنيات الذكاء الصناعي والإنترنت الجيل الخامس internet of things الذي يحقق ترابط كل الأجهزة بالإنترنت، كمحركات للثورة الصناعية الرابعة. 

وبالتالي تصبح المدن الذكية من عناصر الاقتصاد الرقمي، وعوامل جذب الاستثمار الأجنبي، لذا فإن الهدف من المدن الذكية ليس كصيحة حضارية فقط وإنما حلول حتمية فعلية لمشكلات تتفاقم وتكنولوجيا قادرة على الحلول، لذا وجب تحويل هذه المدن إلى مدن ذكية لحل مشكلات متراكمة وتزداد تعقيدا.

مع ارتفاع الدخل وزيادة سكان العالم إلى جانب تناقص ميزانيات المحليات.. ورغم أن إحصائيات البنك الدولي تؤكد أن ٥٤ ٪؜ من سكان العالم يعيشون في المدن فإنه بحلول عام ٢٠٥٠ نسبة قاطني المدن بالبلدان النامية سيتخطي ٧٠٪؜ : ٨٠٪؜، فيؤدي لزيادة الكثافة السكانية والتلوث والجريمة ومشكلات كبري في وسائل النقل بدرجات يصعب السيطرة عليها، ويقوض جهود التنمية المستدامة.

تتطلب حلولا ذكية مثل إحصائيات استهلاك الطاقة نحو الترشيد ومبادرات تتشارك فيها أطراف المصلحة في المجتمع لتواجه التحديات وتعد استثمارات المدن الذكية دافعا ومحركا اقتصاديا، لتوفير التمويل لتحقيق الاستدامة، وبما يصنع فرصة حتمية لتكامل الاقتصاديات من القطاع العام والخاص، في تطوير البنية التحتية، خاصة في ظل حلول تكنولوجية قادرة على تحسين جودة الحياة وتحقيق التوازن المطلوب.

ميونيش كيترابال مدير “المدن الذكية وإنترنت الأشياء في سيسكو سيستيمز” وهى إحدى أكبر شركات التكنولوجيا، وإحدى شركات وادي السليكون يؤكد أن هناك 3000 إلى 5000 مدينة تستعد لتطبيق المعايير. وأن مواصفات المدن الذكية تحقيق الاستدامة، مثل جودة الحياة والتنمية المستدامة. 

فظهر مفهوم "المدن المستدامة الذكية" (SSC) الذي يلقي الضوء على الاستدامة كهدف يتحقق من خلال التنمية المستدامة (أي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية)، وتعرف SSC بأنها "مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، وغيرها من الوسائل لتحسين نوعية الحياة والقدرة التنافسية، مع إدراك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتتمتع SSC بثلاث خصائص هي: الاستدامة (الحوكمة، والتلوث، وتغير المناخ، وما إلى ذلك)، ونوعية الحياة (أي الرفاهية المالية والعاطفية)، والذكاء لتحسين المعايير والأداء.

وبتحليل عناصر النجاح والفشل للمدن الذكية المستدامة هي مدينتا مصدر ودونغتان. حددت مصدر هدفًا غير ممكن لتحقيق ذلك "لتكون مدينة خالية من الكربون ولم يستطع اجتذاب السكان المستهدفين ولا تفي "مصدر" بثلاثة معايير مهمة من معايير "سمارت":

تحقيق هدفها غير الواقعي "صفر-كربون"، ومدى أهمية هدفها في تحقيق النتائج الاجتماعية المرغوبة التي لا يمكن أن تجذب سوى 300 شخص من السكان المقصودين 50000 شخص، وبالتالي، فإن عدم القدرة على إنهاء المشروع في الموعد النهائي المحدد سلفًا عام 2016. ومع ذلك، فقد تم تصحيح هدف مصدر للحد من انبعاثات الكربون بنسبة 50٪، ولكن ما زالت مصدر تملك من الخيال ما قد يسبب بعض الإخفاقات مثل نقل جبل جليد من القطب الجنوبي لتحويل المنطقة إلى ممطرة خضراء..

وأعتقد أن نجاح الفكرة من عدمها تواجهه تحديات علمية ثم تمويلية أيضا كانت أسباب تعثر مشروع مدينة دونجتان مشابهة في عدم الواقعية، لذا وجب الإشارة إلى أن تكون أهداف الاستدامة واقعية تناسب المجتمع والأنشطة الاقتصادية وتدفعها حلول ابتكارية لتشكل عوامل اقتصادية يمكن تحقيقها من خلال استثمارات قد تحققها التطبيقات الابتكارية الذكية.

تجارب نجاح أمستردام وبرشلونة اثبتت لا يمكن أن تتحقق أهداف المدينة الذكية المستدامة بدون تأهيل «المواطن الرقمي»، هذا المواطن عنصر نجاح الإدارة المحلية الفعالة، وأيضا المواطن المستهدف والمستفيد وهو قادر بسهولة على إدراك أهداف استدامة المدن، وقد أطلق مصطلح المواطن الرقمي "مارك برينسكي" ويرتبط أيضا بمعايير مؤشر رأس المال البشري الذي أطلقه البنك الدولي أكتوبر ٢٠١٨ لتحقيق تنمية مستدامة.

وقد أطلق مصطلح المواطن الرقمي ليعبر عن مجتمع الأفراد الذين عاصروا واندمجوا مع إحداثيات عصر الإنترنت والتكنولوجيات والذكاء الصناعي وقادرين على استيعاب مهارات تكنولوجية قد تفوق استيعاب بعض البشر الذين لا يصنفوا كمواطنين رقميين، وعلى الجانب الآخر، هناك ظهرَ مصطلح «المهاجر الرقمي» ليعبر عن أجيال ما قبل الطفرة التكنولوجية، ومحاكاة نمط الحياة الرقمية بل ورفع كفاءتها في مجالات التعليم والعمل والترفيه والتواصل والتسوق وخدمات المواصلات والصحة. 

وبرز مصطلح آخر وهو الأيتام الرقميون معبرا عن الشريحة القليلة الكفاءة في التعامل مع البيئات التكنولوجية، بما يشكلون طاقة مقاومة للتغيير والتطور في المجتمعات المستهدفة.

وعن دور المدن الذكية الاقتصادي في تحقيق أهداف الاستدامة فإن الشركات عابرة القارات تري أن بيئة المدن الذكية هي بيئة مألوفة ذات لغة عالمية موحدة سهلة ومتداولة، لذا فقد أصبح القطاع الخاص ورواد الأعمال شركاء إستراتيجيين في تقنيات المدن الذكية المستدامة، ففي قطاع النقل نجحت "أوبر" و"ليفت" في تخفيض نسب ملكيات السيارات بما يحقق تقليل التكدس والانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وبالتالي تتحقق التنمية المستدامة من خلال هذه الاستثمارات. 

وفي تركيا قد تحقق التكامل بين القطاعين العام والخاص لشبكة المترو، ونجحت التجربة في الهند لتطوير شبكات الإنارة، أيضا قامت شركة "فورد" لتوفير ميني باصات بناء على تطبيقات ذكية في برلين.. التطبيقات الذكية خلقت نوعا من الحوكمة والتنافسية في الأسواق من خلال التسوق الإلكتروني مثل تجربة خدمات ITC في الهند التي قدمت للمزارعين الأسعار عن طريق الإنترنت في جميع الأسواق، بما حقق مقاومة الاحتكار والابتزاز والتلاعب بالأسعار لتسويق المنتجات بأسعار مقبولة لكل الأطراف. 

وأثبتت الدراسات أن تعميم البطاقات الإلكترونية قلص من نسب الهدر والفساد.

ولكن ما زال هناك تحديات للمدن المستدامة أهمها نقص الموارد المالية المتاحة للدول، فدفعها نحو شراكة القطاع الخاص بسبب نقص الميزانيات كظاهرة عالمية، بما دفع شركة "سيسكو" لإنشاء برنامج بتكلفة مليار دولار من رأسمالها، ومشاركة صناديق أخرى لمساعدة المدن في شراء أنظمتها.

أيضا نجحت شركة "انترسيكشن" بتعظيم قيمة الاعلانات لتوسيع شبكات الإنترنت المجاني WiFi، أيضا لا نغفل قدرة التكنولوجيا في التوسع الأفقي للمدن وتقليل الكثافة السكانية وبالتالي زيادة المساحات الخضراء، ورفع قيمة الأراضي المستهدفة للاستثمار العقاري والعقارات.

فإذا كانت في مناطق نائية فإن توفير المواصلات الذكية والخدمات للمدن الذكية تحقق فرصة نحو استثمارات أكبر وأيضا يمكن تقليل المباني الإدارية، فقد قامت شركة we work بتوفير مساحات مكتبية وقاعات اجتماعات حسب الاحتياج عن طريق تطبيق ذكي بما يحقق الوفر والاستدامة.

أسست "سيمنز" مركز الكفاية الخاصة بالمدن ووظفت مجموعة من المهندسين المعماريين والمخططين الحضريين وخبراء ماليين لاستيعاب تحديات تحقيق معايير المدن الذكية والمستدامة وتحديات التمويل والبيئة التشريعية، وقابلية المجتمع نحو التطوير، ثم التفاعل. 

وهناك تطور نوعي لمدي استيعاب الجماهير لهذه التقنيات، فهناك دراسة حول العالم قامت به وحدة الاستطلاع في مجلة “الإكونومست” بالتعاون مع شركة “فيليبس” أسفرت أن ثلث المواطنين يتفاعلون الآن مع نظام المدينة الذكية ويرسلون المعلومات، وتقبل نصف المواطنين الفكرة للمشاركة المستقبلية، في حين أبدي %37 من استعدادهم لتزويد الإدارة بمعلومات عن حياتهم الخاصة.

في اليوم العالمي للمدن 2017 افتتح مؤتمر “مدن ميسَّرة متحدة: تمكين المدن في المستقبل لتكون ذكية“، وهو أول مؤتمر للعلماء تنظمها شعبة السياسات الاجتماعية والتنمية التابعة لإدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة بعنوان “نحو مجتمعات شاملة للجميع يسيرة الوصول وقابلة للتكيف”.

وقد شرح العلاقة بين المدن الذكية والمستدامة كلمة "ميشال ملينار" الممثل لسلوفاكيا لدى الأمم المتحدة، وقال بالنص: “تسلط الحوكمة المبتكرة والمدن المفتوحة الضوء على الدور الحاسم للتوسع الحضري بصفته مصدرا للتنمية العالمية والإدماج الاجتماعي”. لذا فقد سلط الضوء على دور المدينة الذكية نحو دفع التنمية المستدامة في قطاعات مثل التعليم والصحة والطاقة والاقتصاد التي تمثل عناصر داعمة للمدن مستدامة على المدي الطويل والقصير.

أن المدن المستدامة هو ضرورة حتمية لمصر ٢٠٣٠ لتحقيق الرفاهية وجودة الحياة، كما أن إنشاء مدن ذكية مستدامة قرارا حتميا للاندماج في إحداثيات الثورة الصناعية الرابعة، ولم يكن إلا إدراكًا لتحديات عالمية، وكبنية تحتية لاستيعاب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق تنمية اقتصادية توفر التمويل لمدن مستدامة.

أن تفعيل رؤية مصر ٢٠٣٠ نحو التنمية المستدامة يحفز تطبيقات المدن الذكية لتحقيق ودفع معايير المدن المستدامة، من خلال التكنولوجيا، وإيجاد حلول اقتصادية ابتكارية لتوفير التمويل المادي لتحقيق الأهداف المنطقية التي تناسب المجتمع، وسلوك المواطن وتستطيع رفع وعي الموظف في الإدارة والمواطن رقميا وبيئيا مع مراعاة نوعية الأنشطة الاقتصادية وتكاملها مع سياسات المدن المستدامة بما يحقق رفع جودة الحياة للمواطن.
الجريدة الرسمية