رئيس التحرير
عصام كامل

٢٠١٩ ‫.. ‬عام التشاؤم!


يأبى عام ٢٠١٨ أن يغادر رحلته دون أن يسلمنا "تسليم مفتاح" العام الجديد ٢٠١٩، وسط توقعات بمزيد من المشكلات التي تعتري البشرية وتهدد استقرارها، إذ يزداد جنون الطبيعة ضد الإنسان؛ فيخلف فقرًا وجوعًا جراء فيضانات وارتفاع في درجات الحرارة من شأنها أن تهدد الجميع، إضافة إلى تداعيات كارثية تطرق أبواب القارة الأوروبية العجوز بسبب "انفراط عقد" الاتحاد، وتوقع خروج إيطاليا بعد الخروج الإنجليزي في مارس المقبل.


وضعت "الجارديان" تصوراتٍ غامضةً تهدد العالم في العام الجديد، وبتفاصيل أكثر كانت رؤية وكالة بلومبرج الأمريكية قد أضفت على ملامح العام المقبل مزيدًا من التجاعيد والهالات السوداء.. قسوة توقعات الميديا أطلقت على تقاريرها اسم "دليل التشاؤم" لعام ٢٠١٩ وضعت فيه تصورات طالت الجميع.. طالت دول العالم الأول ولم تترك دول العالم الثالث دون أن تضع فيه بصمات مخيفة ترتبط بالغذاء والحريات والاستقرار الاجتماعي.

الصين ذلك العملاق الأصفر مهدد بمزيد من التهديد لأسباب ترتبط بحربها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية دون أن نغفل دور الطبيعة وتهديد محصول فول الصويا في البرازيل، وهو السلعة الأهم للصينيين.. فيضانات وحرائق وأعاصير ستؤثر حتمًا في الكثير من الزراعات، ومن المحتمل أن تطال محاصيل القمح في أستراليا والأرز في الهند واليابان دون أن تغفل تأثيرها القوى على أندونيسيا التي يتوقع لها الخبراء مزيدًا من المشكلات الغذائية وعمليات هروب جماعي تحت تأثير الجوع.

ميانمار أيضًا لن تكون في مأمن من فعل الطبيعة القاسي والمهدد للعديد من الأقطار في العام الجديد مع تهديد يدخل في دائرة اليقين لمحصولي الصويا والذرة في البرازيل، وهو ما يهدد استقرارًا جزئيًّا في الصين التي تعتمد على فول الصويا البرازيلي.

يأتي فعل الطبيعة القاسي دون مواجهة حقيقية من الأسرة الدولية التي تتسلم العام الجديد وسط تفكك وغموض في العديد من الملفات، أولها الخروج المتوقع لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق مع تداعي فعل الشعبويين في فرنسا، والجدية في مزيد من الانغلاق الحدودي بين دول القارة الأوروبية، وتوقع تقييد حرية الحركة بين سكان أعضائه مما سيكون له تأثير قوي ومزلزل بتوقع الخروج الإيطالي من الاتحاد المهدد بسقوط حبات سبحته.

آسيا المهددة أكثر بفعل الطبيعة تتنافر مصالح أسرتها الصغيرة، ولا يزال الشرق الأوسط يحمل في طيات مشكلاته العديد من التناقض؛ ففي الأرض المحتلة يحتل الانفجار موقع الصدارة بعد غياب الرؤية الدولية للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية مع بقاء الوضع الساخن في سوريا وصيرورته إلى ما هو أبعد من السخونة بعد الهروب الأمريكي، وتوقع تفخيخ الموقف بين تركيا والأكراد الذين هددوا بالتوقف عن مواجهتهم لتنظيم داعش الإرهابي في حال الانقضاض التركي عليهم.

مصر لم تكن خارج توقعات السيناريو الأكثر قتامةً فيما قدمته الميديا العالمية من خلال خبراء لهم وزنهم.. توقعات بارتفاع سعر الخبز بالقاهرة من شأنه أن يزيد الوضع تعقيدًا وتوقعات بحراك جماهيري غاضب، وهو ما نتمنى من صناع القرار الانتباه إليه لحماية البلاد من هزات إن حدثت سيكون لها تأثير مزعج، في وقت لا نظن أننا قادرون على تحمل تبعاته وسط محيط عربي منشغل بهمومه وتحدياته، وجوار سوداني يغلي وليبي لا يزال يبحث عن استقرار يبدو أنه صعب المنال.

على عتبة عام التشاؤم يبدو الوضع معقدًا وتبدو التحديات جسيمة، ويبدو أيضًا أن حكومة القاهرة غير عابئة بما يتوقعه الخبراء، فلم نرَ اجتماعًا وزاريًّا يناقش خطة مواجهة أو يضع روشتة مجابهة أو يستمع إلى ذوي الخبرات، كما حدث في الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ م والتي خرجت منها مصر خروجًا آمنًا، فلم يشعر المواطن في القاهرة بما شعر به سكان العالم في كبريات الدول.

الأمر يحتاج إلى رؤى تصحيحية وإلى تقشف حكومي حقيقي، بعيدا عن إسراف لا نراه في عواصم الوفرة، وإلى تضافر الجهود وتعانق الرؤى الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني ومجتمع رجال الأعمال وصحوة حقيقية في وزارة الزراعة بعد أن أصابها بوار وتصحر وحالة من حالات الجمود، في وقت تكاد تنحصر فيه كل مشكلات العالم في إنتاج الغذاء.
الجريدة الرسمية