رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«جريمة تحت الكوبري».. مخدرات ودعارة وقتل واختطاف.. 60 بؤرة إجرامية استهدفتها أجهزة الأمن وضبط 41 تشكيلا عصابيا و1157 قضية مخدرات.. خبراء أمن: كاميرات المراقبة والدوريات المستمرة هي الحل

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

منال حماد - محمد صابر - نهال دوام - خالد الأمير - أحمد علم الدين - عماد رجب - عدسة: سيد حسن

"أحمد" شاب في بداية العشرينيات، يعمل في أحد محال الملابس الجاهزة بالقاهرة، تصادف وجوده ليلا بالقرب من كوبرى الساحل لقضاء بعض احتياجاته.. فجأة انشقت الأرض عن ثلاثة أشخاص، تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة تقريبا، وأحاطوا به شاهرين أسلحتهم البيضاء في وجهه، وطالبوه بإخراج كل ما لديه من أموال ومتعلقات شخصية، وإلا كان الموت مصيره..

رفض الشاب الامتثال لأوامرهم، وحاول مقاومتهم، فما كان منهم إلا أن اعتدوا عليه بالضرب، واقتادوه تحت تهديد السلاح إلى أسفل الكوبري، وهناك واصلوا الاعتداء عليه، وأحدثوا به إصابات عديدة، واستولوا على متعلقاته وتركوه غارقا في دمائه وفروا هاربين.. ما تعرض له البائع الشاب، يتكرر بصورة شبه يومية أسفل مئات الكبارى المنتشرة في القاهرة والمحافظات، والتي تحول معظمها إلى أوكار لتجار المخدرات، والبلطجية وأرباب السوابق، وعصابات التسول وخطف الأطفال.. وفيها أيضا ارتكبت العديد من الجرائم مثل الاغتصاب والقتل والتعذيب، وممارسات للأعمال المنافية للآداب.

محقق "فيتو" في السطور التالية، يرصد عددًا من الجرائم التي وقعت تحت الكباري، ورؤية خبراء الأمن لها، وخطورتها على الأمن بصفة عامة، وكيفية تطهير تلك الأماكن من الخارجين على القانون، ومعتادي الإجرام.. وكذلك مجهودات الأجهزة الأمنية في مواجهة "عفاريت الكباري".

في محافظة القليوبية تكثر الكباري، ويرتفع معدل ارتكاب الجرائم أسفلها.. ووفقًا لمصادر خاصة، فإن كوبري "أبو زعبل" بمنطقة الخانكة يعد من أكثر الكباري التي تكثر أسفلها الجرائم المختلفة، نظرًا لقربه من القاهرة، ومن ثم يلجأ المجرمون إليه لتنفيذ جرائمهم، أو التخلص من جثث القتلى أسفله.. ومن أبرز الجرائم التي وقعت تحت كوبري أبو زعبل، واقعة مقتل فتاة عمرها 18 سنة على يد صاحب مكتب للتنمية البشرية وتشغيل الفتيات.

حيث ربطت بينه وبين الفتاة علاقة عاطفية سرعان ما تحولت إلى ممارسات غير شرعية، انتهت بحمل الفتاة سفاحًا، وعندما طالبت صاحب المكتب بالزواج منها، عقد العزم على قتلها، واستدرجها إلى كوبري أبو زعبل، وخنقها ثم تخلص من الجثة بإلقائها في ترعة الإسماعيلية، غير أن الأجهزة الأمنية تمكنت من كشف الجريمة، وألقت القبض على القاتل، الذي اعترف باختياره ذلك الكوبري لأنه شبه مهجور، ومن السهل ارتكاب الجرائم أسفله. 

وفى منطقة الخصوص، وتحديدًا أسفل كوبري الطريق الدائري، استدرج عاطل، زوجته وشل حركتها وقيدها بمساعدة صديق له، ثم انهال على جسدها طعنًا بسكين حاد حتى فارقت الحياة، وتخلصا من الجثة وفرا هاربين، إلى أن تمكن رجال المباحث من ضبطهما.
 وأسفل الطريق الدائرى بالقناطر الخيرية، ذبح عاطل، سائق توك توك واستولى على مركبته وفر هاربًا.. وفى واحدة من أبشع الجرائم.. استدرج شاب عاطل عن العمل، رجلًا مسنًّا إلى أسفل كوبري "عثمان" بقرية "دملو" التابعة لمركز بنها، بغرض سرقة أمواله ومتعلقاته الشخصية، غير أن العجوز قاومه بشدة ورفض إعطاءه 500 جنيه كانت بحوزته، فما كان من العاطل إلا أن طعن الرجل طعنات قاتلة في رقبته أدت إلى وفاته في الحال، واستولى على أمواله وفر هاربا.
 أما كوبرى "قها" فقد اتخذ منه تجار المخدرات مسرحا لترويج بضائعهم، سواء الحشيش أو البانجو أو الهيروين بين راغبي الحصول عليها.

وفي محافظة الجيزة.. لم يسلم كوبرى "عباس" من انتهاكات البلطجية وتجار المخدرات، وتحته انتشر تجار ومدمنو المواد المخدرة والخمور، ويتجمع اللصوص وقطاع الطرق، وفى بعض الأحيان تُمارس تحته أعمال منافية للآداب.
 ووفقا لمصادر خاصة، وما رصدناه خلال جولة بالقرب من الكوبري، فإن غرف صيانة الكوبري، وما به من تجاويف تحولت إلى أوكار للخارجين على القانون، بل إن البعض يؤجر تلك الغرف مقابل 200 جنيه في الساعة، لراغبي تعاطى المخدرات أو ممارسة الأعمال المخلة.
 وأسفل الكوبري الدائري بالوراق لا يختلف كثيرًا، فالمشهد ربما يكون أكثر رعبًا، لأن البلطجية وأرباب السوابق يسيطرون على الكوبري تمامًا، ويبثون الرعب في نفوس الأهالي الذين يجدون صعوبة بالغة في المرور بالقرب منه، فضلًا عن كثرة الجثث التي يتم العثور عليها أسفل الكوبري، باعتباره مكان معهودًا بجرائم القتل، وكان آخرها مقتل سائق "توك توك"، وإحراق جثته بين القمامة.

كما عثر الأهالي على فتاة في العشرينيات من عمرها في حالة إعياء شديدة، أثبتت التحقيقات تعرضها للاغتصاب من 5 خاطفين، تمكنوا من الهرب بعد تنفيذ جريمتهم.. وفى نفق المشاة الموجود أسفل كوبري أحمد عرابي بمنطقة إمبابة، تكثر الممارسات الخارجة عن القانون، لدرجة أن البعض أطلق عليه "نفق الموت"، وفيه كل شيء مباح.. تجارة وتعاطي مخدرات، وممارسات لا أخلاقية وقتل واختطاف وغيرها من الجرائم، وعنها يقول "محمد ف." أحد سكان المنطقة: "هنا هتلاقي كل حاجة.. اللي بيشد كُلَّة، واللى بيضرب ماكس، والدعارة، واللي بيبيع مخدرات، وكل هذه الممارسات تتم طوال الوقت دون رادع".

وفى محافظة بنى سويف.. يعد كوبرى الواسطى الواقع شمال المحافظة، أحد أكثر الكباري التي تشهد أعمالا إجرامية، آخرها واقعة اختطاف طالبة جامعية داخل "توك توك"، من قبل السائق وصديق لها، ثم انطلقا بها إلى أسفل الكوبري، وهناك جرداها من ملابسها وتناوبا الاعتداء عليها لأكثر من 3 ساعات، ثم تركاها في حالة إعياء شديدة، وفرا هاربين إلى أن تم القبض عليهما.. أيضا كوبري المشاة بمنطقة محيي الدين بمدينة بني سويف، شهد أعمالًا إجرامية عديدة منذ افتتاحه في ٢٠٠٩، حيث هجره الأهالي ليتحول إلى مأوى للبلطجية ومتعاطي المخدرات.. وعنه تقول مريم مينا، طالبة جامعية: إنها تخشى المرور من على الكوبري خشية وجود بلطجية، فهو غير آمن ولا توجد عليه حراسات من الجانبين، مشيرة إلى أن إحدى السيدات تعرضت للسرقة بالإكراه عند عبورها له.

وفي محافظة الإسكندرية.. يتخذ أرباب السوابق وعتاة الإجرام والمتسولون والمدمنون، من أسفل الكبارى أوكارًا لممارسة أعمالهم المخالفة.. ومؤخرًا شهد كوبري "الوصلة" بالطريق الدولي شرق الإسكندرية جريمة قتل لسائق "توك توك" أسفله، وسرقة مبلغ مالي كبير. وتعود الواقعة لبلاغ ورد لقسم شرطة ثالث المنتزه، بالعثور على جثة سائق توك توك 23 سنة له معلومات جنائية، أسفل كوبري الوصلة الرابطة بين الطريق الدولي وطريق الإصلاح بدائرة القسم، مهشمة الرأس، وبها جروح طعنية متفرقة وبطيات ملابسه متعلقاته الشخصية عدا هاتفه المحمول.. تم تشكيل فريق بحث جنائي توصلت جهوده إلى تحديد مرتكبى الحادث، وهم: عبدالله ب. ع. 22 عاما "عاطل"، له معلومات جنائية، نور م. م. 17 عامًا "عاطل"، له معلومات جنائية.. مُقيمان بدائرة القسم، وألقي القبض عليهما، واعترفا بارتكاب الواقعة أسفل الكوبري.

وتحوَّل كوبري العامرية لمرتع للخارجين عن القانون والمخدرات والمتسولين، وتمكنت مباحث العامرية والتموين من ضبط محل خردوات به كمية كبيرة من مخدر التامول، وأحد الخارجين عن القانون، وبحوزته طربة حشيش أثناء إعدادها للبيع.
 واعترف المتهمون بأنهم كانوا يعتزمون ترويج سمومهم بين المدمنين الذين يببعون تحت كوبري العامرية.. كما تم ضبط ٥ أحداث أثناء تعاطيهم للكُلَّة وممارسة أعمال التسول والسرقة، واتخاذ أسفل الكوبري مكانا لممارسة أعمالهم.

"كوبري 6 أكتوبر.. كوبري ملوي العلوي.. كوبري الأخصاص"، ثلاثة كباري تقع داخل محافظة المنيا، أطلق عليها مثلث "القتل والمخدرات والنشل".. نسبة لكثرة الحوادث التي وقعت عليها خلال العام الجاري.. كانت هيئة الطرق والكباري بالمحافظة أنشأت كوبري ملوي العلوي بهدف تفادي الحوادث التي تقع على السكة الحديد في المدينة، إلى أنه مع مرور الوقت، استولى تجار المخدرات ومتعاطو العقاقير المخدرة عليه، وعرف في مدينة ملوي بـ "كوبري الحشيش"، وامتنع المارة عن استغلاله بسبب شهرته بانتشار المواد المخدرة عليه، ومؤخرًا عثر أحد المواطنين على طفل حديث الولادة متروكًا داخل كرتونة صغيرة الحجم، أسفل درج الكوبري، ولفظ الرضيع أنفاسه الأخيرة خلال ساعات من العثور عليه.

وفى سياق متصل، دخل كوبري "6 أكتوبر" الواقع وسط مدينة المنيا، ضمن أخطر كباري المحافظة، بعد أن سيطرت عليه عصابات النشل والسرقة والبلطجة، ومؤخرًا تم القبض على مسجل خطر، يستدرج الفتيات الصغيرات، أسفل الكوبري لسرقة أقراطهن الذهبية.. أما كوبري الاخصاص، فيعرف لدى أهالي مدينة المنيا، بإلقاء الأطفال اللقطاء تحته، وكانت آخر واقعة خلال العام الجاري، العثور على جثة طفل لقيط أسفله، بالإضافة إلى انتشار صبية صغار يعملون في النشل والتسول وترويج المواد المخدرة بكل أنواعها.

من جانبهم، يرى خبراء الأمن أن المناطق الواقعة أسفل الكباري، تشكل ملجأ آمنًا للخارجين على القانون، وراغبي ارتكاب الجرائم بشتى أنواعها، لأنها بعيدة عن الأنظار، وفى ذات الوقت تصعب عمليات تأمينها على مدار اليوم كاملًا.. وفى هذا الإطار، قال اللواء أشرف الجندي، الخبير الأمني: إن أسفل الكباري تحولت إلى وكر للمجرمين والبلطجية وتجار السموم، وتقع بها جرائم عديدة من اغتصاب وخطف وقتل وتعاطي للمواد المخدرة، ووصل الأمر في بعض المناطق إلى اعتبار عتاة الإجرام أن تلك المناطق ملكية خالصة لهم، ومن ثم يشيدون فيها ما يشبه الملاجئ أو المخابئ حتى لا ينكشف أمرهم، ويؤجرونها لراغبي الإقامة بها من الهاربين من السجون أو تنفيذ الأحكام أو أطفال الشوارع والمشردين والمتسولين، وفى بعض الحالات يتم تأجيرها لأشخاص يضعون بها "نصبة شاي".. وأكد الخبير الأمني أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب تكثيف التواجد الأمني بالقرب من الكباري، وتنظيم حملات مستمرة عليها، وتمشيطها بمعرفة الدوريات المتحركة على مدار اليوم.

أما الخبير الأمني اللواء محمد نور، فيشير إلى خطورة ترك الكباري بدون تأمين، لأن الخارجين على القانون وأرباب السوابق وعصابات خطف الأطفال والبلطجية ومدمني المخدرات وغيرهم، يتخذون من التجاويف الموجودة أسفلها، مأوى ومقرا لهم.
 وأضاف: "في كثير من الأحيان ينفذ الجناة جرائم قتل، ويتخلصون من الجثث أسفل الكباري، أو يستدرجون فتاة لاغتصابها في تلك الأماكن التي تبدو مهجورة للبعض.. وحلا لهذه المشكلة لا بد من وضع كاميرات مراقبة حديثة لرصد كل ما يحدث سواء أعلى الكباري أو أسفلها، فضلا عن وضع خدمات أمنية على مدار الساعة، كل ذلك بالتزامن مع تطوير وإنارة تلك الأماكن".

وعن طريقة تعامل الأجهزة الأمنية ومجهوداتها في مواجهة الجرائم التي تقع تحت الكبارى، ومداهمة الأوكار التي يختبئ بها الخارجون على القانون، قال مصدر أمني مطلع: إن أجهزة وزارة الداخلية تحارب الجريمة بشتى صورها على مستوى الجمهورية من خلال القطاعات المعنية وخاصة البؤر الإجرامية والعصابات التي تنتشر تحت الكباري، كما أن كل المحاور والميادين الرئيسية بها منظومة كاميرات مراقبة، قادرة على رصد أي نشاط مشبوه قد يحدث تحت الكباري.
 ومؤخرًا، وجه اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، بالتوسع في تركيب كاميرات المراقبة، لتغطى كافة الكبارى ورصد ما يحدث أسفلها، وهو ما بدأت الأجهزة المختصة في تنفيذه، ومن المقرر الانتهاء منها قريبا. 

المصدر أضاف أن من بين مهام الإدارة العامة لشرطة البيئة والمسطحات المائية، تسيير دوريات من خلال "اللانشات" الخاصة بها، لرصد ومتابعة الحالة الأمنية سواء على المسطحات المائية، أو الشواطئ خصوصًا الأماكن المهجورة الموجودة تحت الكبارى المختلفة، وفي حالة اكتشاف أي بؤرة إجرامية تتعامل معها مباشرة.. أيضا – بحسب ذات المصدر - فإن قوات من قطاعي الأمن العام، والجريمة المنظمة ومكافحة المخدرات، مدعومة بالكلاب البوليسية، تشن حملات بصفة دورية لضبط القائمين على تجارة المخدرات واستغلال الأطفال في أعمال التسول، خصوصًا تلك التي تتخذ من أسفل الكبارى أوكارًا لها.

وأكد المصدر أن جميع مديريات الأمن على مستوى الجمهورية تضع ارتكازات أمنية بمحيط الكبارى والميادين الحيوية، حتى تكون جاهزة ومستعدة للتحرك سريعًا في حالة وجود بلاغات من المواطنين عن وجود مخالفات أو أي شيء يهدد الأمن، والتعامل الفورى مع أي خروج على القانون.

وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية بمختلف مديريات الأمن استهدفت 60 بؤرة إجرامية من بينها أسفل الكبارى، وضبطت خلالها 1121 قطعة سلاح ناري، 1735 سلاحًا أبيض، 1157 قضية مخدرات،41 تشكيلًا عصابيًّا، و317 قضية أحداث خلال الأسبوع المنقضي، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال كل واقعة.

"نقلا عن العدد الورقي"..
Advertisements
الجريدة الرسمية