رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البيت المصري الحزين (1)


حال البيت من حال الوطن، والوطن معوج، والبيت بالتالي معوج. الوطن في أمان لكن المعايير مختلة والخيارات مزاجية وبالتالي يجب ألا نندهش ولا نفزع للحظة واحدة مما يحدث داخل الجدران الأربعة لأي بيت مصري. لما كتبت وكتب غيري ينبه القيادة السياسية كثيرا إلى اختلالات في الاختيارات ووقوع ظلم مهني وعلمي وإداري وحياتي بالغ على فئات محترمة كثيرة في هذا الوطن، بذلت ولا تزال تبذل حبها وروحها من أجله، ورغم الكتابة فإن ماكينة إقصاء حرث المحترمين تبدو بلا عيون ولا قيادة!


الظلم الأكبر يترك آثاره المدمرة داخل البشر الذين تحتويهم بيوت الله أعلم بأحوالها. البيت المصري حاليا هو صورة مجسمة صادقة واقعية للشارع المصري. البيت هو الأب والأم وأربعة أولاد في المتوسط. الدخل مترنح تحت وطأة سعار الأسعار وجشع التجار وتصريحات الحكومة التي يسخر منها هؤلاء المجرمون من تجار ينهبون الشعب ويمتصون دماءه.

مع قلة المال وكثرة الطلب وزن الزوجة والبوز العظيم، ومع المكايدة الإعلانية اليومية عن فيلات بالملايين وعربات بالملايين ومدارس رياض أطفال بمئات الألوف، لا بد أن يحدث ضغط رهيب على رب البيت. الحقيقة أنه لم يعد في مصر الآن رب للبيت ولا ربة بيت، بل صار الأبوان خدما مسحوبين مسحولين وراء قاطرة فقدت سواقها!

الأب يدبر بالكاد معظم أيام الشهر. يغلق بابا للمصروفات ينفتح ألف باب. دماغه شغال كالخلاط، يدور على الفارغ. ربما يحالفه الحظ وترمي إليه زوجته بكلمة ترطب صدره وتطفئ سعير أعصابه، وربما يجدها هي والزمان عليه، أو لعلها بدورها قامت بالإنفاق قدر مرتبها ولم يكف مرتباهما لمواجهة الجنون اليومي، ولن يسلم الرجل من معايرة !

هذا زوج وأب مقهور بالاحتياجات اليومية والشهرية فضلا عن المناسبات. عيد الفطر ثم عيد اللحمة ثم المدارس ثم الدروس ثم الأمراض ثم إجازة نصف السنة ثم الأقساط، ثم الكهرباء ثم الماء ثم البواب والصيانة، ثم الصيف وهدوم الصيف، ثم رمضان، ثم عيد الفطر ثانية وثالثة وعاشرة. حلقة بلا نهاية وهل للدائرة نهاية ؟!.

فلانة ولدت إذن وجبت المجاملة. وفلان ترقي فيجب مجاملته، وفلان في المستشفي ويجب مجاملته، وفلان رجع من الحج ويجب مجاملته، وفلانة (طهرت) ولدها ويجب نجاملها وفلان فرح ابنته الليلة ولازم ننقط زوجته ونرفع رأسه!

سيول إثر سيول من المناسبات المالية ولا أقول الاجتماعية... وكلها لا علاقة لها برفع الرأس، بل هي شديدة الصلة بانكفاء الرأس على الصدر وغياب الضحكة من الوجه وحلول العلل والهموم في العيون.

ترى. في بيت مكبل بضغوط حياتية عاتية من هذا النوع وغيره، هل تتوقع أن تسمع فيه ضحكة حلوة صافية رنانة مطرقعة كالأيام الخوالي؟

أين الضحك لحد ما تطفر العيون بالدموع!؟ بيت مسجون في الهم والغم.. كالوطن.. هل تتوقع فيه حوارا هادئا ومودة ورحمة أو رغبة حتى؟

البيوت الآن متلصمة.. الجدران على سقف من فراغ!

لا عجب أن سقطت سلطة الأب، وانهارت صورة الأم، وحل الزعيق والصراخ محل الكلام في بيوتنا.. وزاد على هذا كله تبجح الأولاد وتجاوزهم وتجرؤهم على الأب والأم!

انظر حولك وتأمل كم ونوع الحوادث الغريبة المفزعة التي تطالعنا كل ساعة.
البيت آيل للسقوط لأن معيار العدل الاجتماعي في الوطن مختل.. لذلك ترعى الجريمة انتقاما وينتشر الانتحار يأسا.. للقضية فصول أخرى نتابعها.
Advertisements
الجريدة الرسمية