رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الأضحى بلا أضاحي


في عيد الأضحى نتذكر الفداء والتضحية باعتبارهما فضيلة إنسانية أرسى قواعدها ومبادئها واحد من أنبياء الله المخلصين.. يسيل المسلمون الدماء رمزا خالدا لفكرة التضحية وقديما كانت الأضاحي "خِرافا" أما اليوم فالأضاحي بشر من لحم ودم.. دماء تسيل على أرض المنطقة العربية ولكنها دماء أطفال وشيوخ وفتيات ونساء وشباب.. دماء بشرية تروي أرض ليبيا وتغرق أرض اليمن وتغذي تربة الوادي الخصيب في العراق وتكسو أرض الشام بكل صنوف القتل والدمار.


القاتل عربي في كل الحالات فالليبيون يقاومون عراكا وحروبا أدواتها كلها عربية.. أموال النفط العربي تقتل الأضاحي البشرية في كل مكان.."تحالف" عربي يسقط قنابله على ما تبقى من بشر في اليمن.. قوى صهيونية وأخرى عربية تقاتل السوريين في ديارهم وفي وطنهم تأكل الذي كان أخضر فتحوله إلى يابس مميت.. طائفية عمياء تتسلى بما كان من تاريخ تليد في بغداد وصومال لا يزال يعاند في مواجهة الدم العربي المذبوح في كل جنباته.

جغرافيا العرب لا تزال تعيش عصور الجاهلية الأولى.. يسيطر عليها احتلال وطني مقيت.. يدفعها دفعا إلى دائرة التخلف والجهل والمرض.. يدخل بها في دوامة حروب لن تنتهي.. لا زلنا لم ندفع ثمن الحرية والحياة الإنسانية التي يجب أن نحياها.. لا يزال النموذج السلطوي العفن هو المسيطر هنا وهناك.. لا زلنا نضحي ولكن بشعوب لم تستطع بعد أن تصبح جزءا من حضارة البناء والعمل والحرية.

عيد الأضحى شهد مزيدا من إسالة الدماء ولكنها ليست دماء خراف.. دماء بشر خلقهم الله لعمارة الأرض فبدلوا قولا غير الذي قيل.. وطن سكنه الخوف واستوطنه القتل وعشقه الدمار.. وطن لا يزال يعيش صراع الكرسى فلم يتبق كرسي ولم يتبق وطن ولم يتبق فينا إنسان واحد يدرك معنى الفداء الحقيقي.. أمة من غنم تساق إلى المذبح في كل صباح.. أمة من نعاج لا يريد لها الراعى أن تخرج عن القطيع.. أمة سقطت من التاريخ الإنساني وعادت إلى عصور ما قبل الإنسانية.

أمة الغصب.. كل شيء فيها غصب.. الحكم غصب.. التضحية غصب.. العيش غصب.. الكلام غصب.. الدواء غصب.. أمة القهر.. كل عمل فيها قهر.. تأكل قهرا وتشرب قهرا.. تبكى قهرا وتضحك قهرا.. تكتب قهرا وتغني قهرا.. أمة سقطت من سلسال البشر وانتمت إلى غول الخوف النابت في الأرض.. أرض الخوف التي لا ينمو فيها إلا الاستبداد غابات موحشة قادرة وحدها أن تجعلنا مجرد قطعان تنتظر الدور للتضحية بها.. الأمة كلها تضحي من أجل الفرد.. الواحد.. المسيطر.. المتغطرس.. المستبد!!

الجريدة الرسمية