رئيس التحرير
عصام كامل

الدعوة والداعي

18 حجم الخط

هناك خلط شديد بين الدعوة إلى الله تعالى والوعظ والإرشاد والنصح، فالدعوة إلى الله تكون لغير المسلمين، ولها أسس ينطلق منها الداعي، وهي ثلاثة أشار الله عز وجل إليها من خلال قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"..


من هنا لا بد لمن يتعرض بالدعوة إلى الله أن يكون من أهل الحكمة، أي ممنوح من الله الحكمة، وهي كما نعلم منحة إلهية وعطاء رباني توهب ولا تكتسب لقوله سبحانه: "يؤتي الحكمة من يشاء".. ولقوله جل جلاله: "ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا"..

والحكمة هي الميزان الذي يضع كل شيء في نصابه، وهي النور الذي يتعامل به الداعي مع الأنفس البشرية، فصاحب الحكمة يدرك بنورها كوامن النفس البشرية، ويعلم المدخل إليها، ويملك القدرة على التأثير والتغيير، ولا شك أن صاحب الحكمة مؤثر على من يدعوه إلى الله ومن يتعامل معه.

هذا عن الأساس الأول بإيجاز للدعوة إلى الله تعالى، أما عن الأساس الثاني وهو الموعظة الحسنة، وهي لا تتأتي إلا من صاحب خلق كريم، وعادة ما يغلب عليها صفة التيسير والتبشير والترغيب عملا بقول النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا إنما بعثنا مبشرين غير منفرين ومسيرين غير معسرين".. ولقوله أيضا: "أحب العباد إلى الله الذين يحببون العباد في الله ويحببون الله في عباده"..

هذا عن الأساس الثاني الذي ينطلق منه الداعي، أما عن الأساس الثالث للدعوة إلى الله سبحانه هو المجادلة بالتي هي أحسن، بمعنى أن يجادل من هو على غير الإسلام بالحسنى وبهدوء وبلا انفعال، وبلا تعنيف وبلا تشدد، هذه هي الأسس التي ينطلق من الداعي إلى الله تعالى في دعوته، من هنا لا يصلح أي أحد للدعوة إلى الله وإن كان دارسا مطلعا لعلوم الدين والشريعة..

فكم من قارئ ودارس ومطلع وهو فاقد للحكمة، إذن مسألة الدعوة ليست لكل من هب ودب، ولا لكل دارس وقارئ ومطلع كما ذكرنا من قبل.. هذا عن الدعوة والداعي أما عن أهل الوعظ والإرشاد والنصح لا بد أن يملكوا أدوات الوعظ والنصح والإرشاد، وهي تتلخص في الآتي..

أولا أن يكن عالما فاهما لعلوم الدين بوسيطته ورحمته واعتداله وسماحته، وأن يكن معروفا بحسن الخلق وأن يكون مُنتصحا مُتعظا من قبل أن ينصح ويعظ ففاقد الشيء لا يعطيه، أن يكون هينا لينا بشوشا سمحا بساما يُؤلف ويُؤتلف، بسيط في تعامله ميسر ومبشر في وعظه ونصحه، ومُرغبا للناس في نصحه ووعظه، وأن يكون نموذجا طيبا ومشرفا لأهل الوعظ والنصح، وأن يُرغب الناس في طاعة الله تعالى وفي رضاه سبحانه وجنته..

هذا ويجب أن يكن فاهما لأحكام كتاب الله وتعاليمه عالما بالسنة النبوية المطهرة فهما صحيحا حتى لا يسلك بالناس مسلك التشدد والتعصب الأعمى والغلو، حتى لا يقنط الناس من رحمة الله تعالى، ولا ينفرهم، وعليه أن يبعث الأمل في نفوس العصاة والمذنبين متأسيا بصاحب الرسالة رحمة رب العالمين للعالمين عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام الهادي البشير النذير السراج المنير.

القائل: "إنما بعثت هاديا ورحمة، ولم أبعث لعانا شتاما"، والقائل: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..


من هنا ومن أجل ذلك يجب إعداد الوعاظ إعدادا جيدا، ويجب تأهيلهم نفسيا ومعنويا للوعظ، ويجب مراجعة رواتبهم وتحسينها حتى يكون لديهم استقرار نفسي ومادي.. ويجب متابعة أهل الوعظ والإرشاد من قبل مفتشي وزارة الأوقاف، وتجنيب من ليس أهلا للدعوة والنصح والوعظ والإرشاد وللأسف ما أكثرهم..
الجريدة الرسمية