رئيس التحرير
عصام كامل

رُسل الطمأنينة


فقط لو حاولنا وأصرننا أن نكون مصدر أمل، وروح بهجة مشرقة لمن حولنا، لتغيرت مفاهيم كثيرة في أنفسهم، كانت ترمى في اتجاه اليأس والقنوط والعجز والتواكل، ثم تحولت لتعيد إليهم من جديد روح الثقة واليقين والإيجابية، أولا اليقين في الله عز وجل، وثانيا الثقة والإيجابية تجاه غد أفضل واقعا قريبا بإذن الله، ولم لا فنواصينا جميعا بيد مالك الملك، ولن يصيبنا إلا ما كتب هو لنا بكرمه ورحمته وفضله وسابغ نعمه.


فن زراعة الأمل والطمأنينة الروحية في نفوس البشر لا يتقنه الكثيرون، أن تكون فاقدا للروح، مضطربا، تكاد تهوى في براثن الهموم وتكالبها عليك، يحيطك التفكير السلبي من كل حدب وصوب، ثم يأتى من ينتشلك من براثن كل هذا، بكلمة طيبة، ودعم نفسي، وابتسامة مشجعة على تجاوز المحنة والإحباط وعبور "نغزات الشيطان" التي تريدك محاطا باليأس والقنوط من حاضرك ومستقبلك ومن رحمة الله الواسعة.

نعم أحاول الفرار دائما ممن يبثون في ذاتى كل مصادر الطاقات السلبية، يصدرون إلى الهموم، ويخفون عنى الفرحة والنجاح والتقدم والسعادة، واتجه مندفعا مهرولا إلى من يهونون، ييسرون، يحملون الحلم الجميل، واليقين، وباقات الطاقة الإيجابية، إلى روحى وجسدى، فانفض عن نفسى غبار الكسل الذي يولده الإحباط، وتُشحذ عزيمتى إلى فعل أي شيء يتجاوز آلامي إلى سبيل نسيانها.

أصحاب الـpositive energy، هم صناع البهجة، ربما يكون بداخلهم آلام الكون وشقائه، لكنهم لا يظهرون استياء من هذا أو تذمرا أو ضيقا، تسبقهم دائما كلمات الحمد والرضا والقناعة، والدعوة للصبر وتحمل الأقدار، والنظرة لغد افضل، وظيفتهم هي توجيهك إلى الجانب المضيء في حياتك، إلى الاجود والأحسن بلا منغصات، فربما كان هذا طوق نجاتك وقطعة خشب تطفو على سطح المياه، فتلتقطك من خضم بحر هائج متلاطم الأمواج عنوانه "الكرب".

يقول الشيخ أحمد شريف النعسان في إحدى خطبه: "المؤمنُ يُبث الأمَلَ في نفسِهِ من خِلالِ قولِهِ تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾.. فمن المُحالِ دَوَامُ الحَالِ، فَاللهُ تعالى قَادِرٌ على أن يُبَدِّلَ خَوفَنَا أَمنًَا، قادِرٌ على أن يُبَدِّلَ هَمَّنا فَرَجًا، قادِرٌ على أن يُبَدِّلَ ذُلَّنا عِزًَّا، قادِرٌ على أن يُبَدِّلَ تَمَزُّقَنا جَمعًا، قَادِرٌ على أن يُبَدِّلَ فَقْرَنا غِنىً، قَادِرٌ على أن يُبَدِّلَ ضِيقَنا مَخرجًا، لأنَّهُ القائِلُ: ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾".

ويقولون في تعريف الامل "إنه أمر معنوي عبارة عن شعور أو عاطفة تجعل الإنسان متفائلًا وإيجابيًا اتجاه الحياة ومن فيها، ما يجعله قادرًا على التعامل والتكيف مع كل ما يحيط به بالشكل التفاعلي ويبعده عن الشعور بالوحدة والعزلة، ويجعل الإنسان يرجو حدوث أمور إيجابية في حياته بالرغم من كل ما مر به من سلبيات وصعوبات، ويجعله يرفض المستحيل ويعمل على تحقيق ما يطمح له".

هل جربت أن تزرع سابقا هموما وكربا في روحك، وروح من حولك فماذا كانت النتيجة؟

وجربت أيضا أن تصدر لهم مشكلاتك فقط، وتطلب منهم الصبر على سماعها، على حين أنك أنت نفسك ربما لا تطيق سماع أنين روحك.

تروقنى نوعيات نادرة من البشر، تلجأ إليه لكى يستمع إلى مشكلة ما لديك، فينصت لك تماما ويقول لك "تكلم أريد أن أسمعك أفرغ ما في نفسك في عقلى ولا تخف سأسمعك باهتمام شديد".

نعم يريد أن يسمعك ويساعدك في الحل، ولا يباغتك مطلقا بأى مشكلة تخصه، فليس وقتها أو أوانها، لأنه يؤمن تماما أنه رسول الطمأنينة إلى روحك وقلبك وعقلك.

فقط جرب وحاول أن تزرع وتبث أملا، ولو حتى كاذبا وهميا، في نفس يائس أو محبط أو مريض، فستجد الحال تغير وتبدل إلى روح أخرى غير التي كانت تشكو، روح تحمل قسمات الفرح والرضا والأمان.

نعم، "خليها على الله"، "تبات نار تصبح رماد لها رب يعدلها"، أقوال واقعية تهون الأمور وتبسطها إلى أقصى حد، فنفتح نوافذ الحياة لبعضنا البعض، بالأمل، بالروح الطيبة، بعدم الشكاية على أهون الأسباب، فكم يلاقى غيرنا قصم الظهور، ولا يعرف غيرهم، ما بهم، سوى عنوان أوحد "الابتسامة والرضا والحمد والشكر"، أنت تملك الكثير له، فقط أعطه طاقة إيجابية بلسانك حتى لو لم تكن تملك غيرها، فهى كنز ثمين في هذا الزمان الصعب.

يعلم المؤمن بالله الواثق به، يقينا أن دوام الحال من المحال، وأن المرء متقلب بين السراء الضراء، وما من نازلة إلا ارتفعت وانزاحت عن أصحابها فلِم اليأس؟ فقط أبشر بزوال كل هم، وأيقين بتحول كل أمر مكروه.

ارسم على وجهك ابتسامة عريضة، أرجع كتفيك إلى الوراء، املأ رئتيك بالهواء، غنِ مقطعا من أغنية تحبها، أو صفر بفمك إن كنت لا تستطيع الغناء، أشعر نفسك بالسعادة حتى لو كانت بعيدة نسبيا عنك فستأتيك لا محالة.

نعم..

"دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء"..

ومن الآن فناد ربك وتوكل عليه مستخدما اليقين، وقل: ألا أيها المأمول في كل ساعة شكوت إليك الضر، فارحم شكايتي ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي وهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي.
الجريدة الرسمية