فكري أباظة يكتب: فلسفة الربيع

في مجلة الكواكب شهر أبريل 1947 كتب الكاتب الساخر فكري أباظة مقالا بمناسبة أعياد الربيع قال فيه:

ألا تحس وأنت تنطق لفظة "الربيع" أو تقرأها بسعادة نفسية وقلبية وذهنية. وهذا لا لشيء إلا لأن الربيع جميل وجذاب وساحر، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يهدي عباده هذا الفصل الممتاز بوداعته بعد شتاء مكتسح وقبل صيف مزعج عنيف الحرارة مشتعل اللهب، وقبل خريف معتم مقفر فقير مثير.

أحب الناس الربيع وتغزلوا فيه فيه وغذوا قلوبهم وأمزجتهم ونفوسهم بالربيع وهذه هي فلسفته:

1- الزهور: تتفتح الزهور في الربيع ويكتمل بهاؤها وتملأ الدنيا بألوان فاتنة وأحجام فاتنة ورائحة زكية فاتنة وتتزين الطبيعة وتتهيأ كالعروس.. عروس ديمقراطية اشتراكية شيوعية للجميع يتساوى في ملكيتها الملوك والشعوب الفقراء والأغنياء.

2- الفواكه: تنافس زهور الربيع فواكه الربيع، وتختلف الأمزجة والأذواق في تقدير الفاكهة وترتيبها، فمن منا فقراء ومعدمين لم يستطع الوصول إلى البطيخ والعنب والشمام.. هذه نعمة أخرى أتاحها الله للجميع.

3- وأنا حر أن أضع النساء بجانب الزهور والفواكه، ففي النساء ياسمين وورد وقرنفل وريحان وفل، وفي النساء عنب وكريز وبطيخ وتفاح وكمثرى.
يتجلى الجمال النسوى بعد أن انكمش واختفى في الشتاء وراء أستار حديدية من الملابس الثقيلة تخفى الجمال، المرأة تتجلى في الربيع فتنافس الزهور والخضرة وتشيع في دنيا النظر سحرا حلالا للناظرين والمعجبين.

4- الطيور: أذن الله للطير أن تنطلق وتغنى للربيع والحب، فالربيع فصل الطيور وهي تمنح الكون موسيقى سماوية لا يحتاج إلى نفقات وهو مباح للجميع.

5- الأدب والفن: الربيع وحي الأدباء والشعراء والقصاصين والمصورين، فلو لم يكن الربيع موجودا أكنت تقرأ شعرا كله روحانية وخيال وما ينطبق على الشعر ينطبق على الأدب والفن.

6- الأسرة: الربيع هو الحب المحتشم الغالى الثمين الحلال، وحب الربيع وغرامه غير حب الشتاء المختفى في المغاور والكهوف، ولا حب الصيف المبتذل البعيد عن أعين الرقباء، وفضل الربيع على الأسرة كبير فهو المعمر لا المدمر والبانى لا الهادم.

7- ربيع العمر: ربيع العمر ما أحلاه.. آه يا ربيع العمر كيف وليت وخلفت الحسرات، فيه اكتنزت ذكرياتى واحتجزت حبى وغرامى، أما اليوم فنحن في فصل الزوال وما أقسى الزوال.

آه يا ربيع.. أنت البعث، وأنت الذكرى وحسبى منك هذان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.