رئيس التحرير
عصام كامل

مرصد الأزهر يكشف أسلحة داعش لإغواء الشباب.. التنظيم المتطرف يحول الإرهاب إلى منتج إعلامي.. يمتلك 50 ألف حساب على «تويتر».. ينتج 1300 مقطع فيديو.. يحاول نشر الإحباط

فيتو

في محاولة ربما تكون هي الأخيرة للبقاء على قيد الحياة بعد فقدانه 96 % من مساحة الأراضي التي كان يحتلها في سوريا والعراق، ومعاناته من قلة المنضمين إليه، وخسارته موارده المالية، وتفنيد أفكاره الضالة وفضح شعاراته الزائفة؛ يشن تنظيم «داعش» حربًا جديدة ضد العالم أجمع، هي الأشرس والأخطر منذ ظهور هذا التنظيم الإرهابي؛ حيث يستخدم «الدواعش» ما يسمى بـ «أسلحة الإغواء الشامل» لإشاعة الفوضى والدمار في شتى بقاع الأرض.


ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في التقرير الذي أعدته وحدة رصد اللغة الإسبانية، أن استخدام «داعش» لـ «أسلحة الإغواء الشامل» يُعد تغييرًا لطريقة التفكير والإستراتيجية التي كان ينتهجها التنظيم في السابق؛ حيث يسعى التنظيم الإرهابي إلى تحويل الإرهاب لمُنتَجٍ إعلامي يصل إلى العامّة، ويُشعر الشباب بالإحباط والكراهية والفراغ الفكري والسياسي، ويشيع بينهم حالة من الملل المُمنهَج، ومن ثَم استقطابهم من خلال استخدام ألعاب الفيديو والمسلسلات والأفلام العصرية وبث الرسائل على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام».

الصائد والفريسة

ويشير المرصد، إلى أن «داعش» وغيره من الجماعات المتطرفة، يشبهون في الوقت الراهن الصائد الذي يترقب فريسته، وهو يعلم أين ومتى ستَرِدُ الماء والكلأ، فهذه التنظيمات الإرهابية تصل إلى الشباب من هُوّة كبيرة تتمثل في معرفتهم الدقيقة لاهتمامات الشباب المعاصر، وإدراكهم الجيد لحرصهم على استخدام التقنيات الحديثة في التواصل، ورصدهم نشاطهم في العوالم الافتراضية.

التواصل مع الشباب

ومن هذا المنطلق يحرص تنظيم «داعش»، وبتركيز شديد على التواصل الاجتماعي مع العامة وخاصة الشباب منهم، وذلك عن طريق مواقع «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام»، فالتنظيم الإرهابي على سبيل المثال يمتلك حاليًّا على «تويتر» ما يزيد على 50 ألف حساب، يَبُثّ منها يوميًّا 100 ألف رسالة لكل أنحاء العالم، في محاولة منه لتفعيل عمليات الاستقطاب والسيطرة على هذا الفراغ الإلكتروني، كما يستغل هذه المواقع للترويج ونشر مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية وغيرها من المواد الإعلامية الخاصة به، والتي تُعَدّ أداةَ لجذبٍ عناصر جديدة من الشباب للانضمام إلى صفوف التنظيم.

وفي هذا السياق، يشير الباحث والكاتب الإسباني «خافيير ليساكا» في كتابه: «أسلحة الإغواء الشامل.. صناعة المواد السمعية والبصرية لدى داعش لاستقطاب جيل الألفية الثانية»، والذي صدر في دار نشر «أتالايا» في يونيو من العام الجاري 2017، وتبلغ عدد صفحاته مائتين وخمس وتسعين صفحة من القطع الصغير؛ إلى أنه في صيف عام 2014، عرَض تنظيم «داعش» من خلال فيديو بثه عبْرَ شبكة الإنترنت بلغةٍ إنجليزية بريطانية سليمة، عملية ذبْح الصحفي الأمريكي «جيمس فولي»، الذي كان قد اختُطف قبل ذلك بعامين.

حملات موجهة
ويضيف «ليساكا»، أن تلك الحادثة تُعَدّ بطاقةَ عرْضٍ لمجموعة إرهابية جديدة عرفها العالم، ليس فقط من خلال القنابل والرصاص، ولكن كذلك من خلال أشرطة الفيديو المصورة باحترافية، والمجلات المصممة بشكل جيد، وكذا من خلال تنفيذ حملات موجَّهة على «تويتر»، فمنذ ذلك الحين قام التنظيم الإرهابي بإنتاج ونشر أكثرَ من ألف وثلاثمائة شريط فيديو؛ لتكوين صورة خاصّة به تُبهِر جماهيرَه وتحشدها إليه.

ويؤكد الباحث الإسباني، أن تنظيم «داعش» يسعى إلى تحويل الإرهاب لمُنتَجٍ إعلامي يصل إلى العامّة، ويمكنه أن يدفع الشباب إلى استشعار الإحباط والكراهية والفراغ الفكري والسياسي، بالإضافة إلى حالة الملل المُمنهَج؛ وذلك من خلال ألعاب الفيديو والمسلسلات والأفلام العصرية، وكما حدث في بروكسل وباريس، وكذا في هجماته اللاحقة، فلا شك أن تنظيم «داعش» قد غيّر الطريقة التي يفكر بها الإرهاب ويتصرف انطلاقًا منها؛ مشيرًا إلى أن «أسلحة الإغواء الشامل» الجديدة التي تستخدمها جماعات العنف المتطرفة، يجب أن تدفع الدول والمؤسساتِ الحديثةَ إلى إعادة تخطيط سياستها، من أجل الحفاظ على الأمن الإعلامي العامّ والمؤسسي.

فهم التطرف
وأوضح الكاتب، أن فهم ظهور وتطور الجماعات المتطرفة مرتبط بفهم التطور الذي مرت به عملية تشكيل الرأي خلال العَقد الماضي، وكذا الطريقة التي غيّرت بها تقنياتُ التسويق الرقمي وسائلَ الإعلام التقليدية، وهي بلا شك عوامل أساسية لتشكيل الرأي؛ واصفًا الإرهابَ المعاصر بأنه «ظاهرة إعلامية»، و«مخطط متطرف وإجرامي»؛ لتنفيذ مخططات وجذب الرأي العام لاتجاه سياسي محدد؛ مؤكدًا أن الإرهاب الحديث والتقنيات الرقمية صِنْوان لا يفترقان، وقد حفّزت هذه العَلاقة الوطيدة بينهما الجماعاتِ الإرهابية على الحرص على تحديث استراتيجياتها وخططها؛ وَفْقًا للتقدم التقني الذي يتحقق في العالم باستمرار.

بداية الحرب
ويستغل تنظيم «داعش» المتطرف جنودَه في الغرب الذين لديهم دراية بالتقنيات الحديثة لإنتاج التسجيلات المسموعة والمرئية، التي استطاع أن يحقق من ورائها عدة أهداف؛ على رأسها: رسم صورة أسطورية للتنظيم، واستقطاب الشباب بعد خداعهم بفكرة أن هذه الأرض هي المدينة الفاضلة، وأن ثَمّة خلافة إسلامية كبرى ستحكم العالم، وتحقق ازدهاره، وتُنصِف المظلومين، وتأخذ على أيدي المجرمين.

ويؤكّد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن المعركة التي تُشنّ على عقول الأجيال الجديدة من المدنيين قد بدأت للتو، ولكن لا يمكن التنبؤ بنتائجها؛ لأن حرب الإرهاب المعاصرة هي حرب ذات طابع خاص، تخضع لمتغيرات حديثة، وهو ما ينبغي أن تدركه الدول والمؤسسات، وتبني عليه دفاعاتِها ضد التطرف.

الاقتراب من الواقع
ويشير المرصد، إلى أن الحرب الإلكترونية التي تشنها التنظيمات الإرهابية ضد كل دول العالم أصبحت واقعًا مَعيشًا، وليست مجرد توقُّع مستقبلي، وهنا يجدر التأكيد على أن اتجاه الشباب إلى الانضمام لهذه الجماعات المتطرفة هو نتيجة لخَواءٍ رُوحي وفقْدٍ للانتماء، فضلًا عن الفراغ القاتل الذي يجعلهم يقعون فريسة سهلة للأفكار المسمومة، والأكاذيب والتضليل والاستقطاب ذي الأغراض الخبيثة.

ويوصي مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الشبابَ بألّا يستسلموا لهذا الفضاء الافتراضي، وأن يحاولوا الاقتراب من الواقع بالقدر الذي يُمكِّنهم من إدراك الحقائق والتمييز بينها وبين والسراب، وبين الاعتدال والتطرف؛ حتى لا تتحوّل التكنولوجيا بدورها إلى أسلحةٍ للإغواء الشامل.
الجريدة الرسمية