رئيس التحرير
عصام كامل

معركة مختار جمعة


في مصر ٦٠ ألف إمام مسجد، وأئمة المساجد مثل الأطباء والمهندسين والصحفيين لا بُدَّ من تأهيلهم حتى يصبحوا على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم.. الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اقتحم هذا الملف الشائك بإقامة دورات تدريبية، وعقد امتحانات للوقوف على مستوى الأئمة.. واجه مقاومة ضد التطور وهذا طبيعى، غير أنه من غير الطبيعى أن يقاومه المجتمع بالسير في ركب المقاومة.


ولأن خطيب المسجد واحد من قادة الرأى المهمين، حيث يواجه اتصالا مباشرا بالجماهير، فإن الناس تشعر في كل جمعة أن هناك شيئا خطرا في أسلوب تأهيل أعداد كبيرة منهم، وزير الأوقاف سعى ليجد طريقا للترقى وصعود المنبر لمن يستحق، وبالطبع فإنه سيواجه مقاومة من ثلاثة أطراف: الإخوان والسلفيين والفاشلين.. الإخوان هذه فرصتهم، والسلفيون تلك طبيعتهم، أما الفاشلون فهذا عهد الذين يواجهون التطور بالجمود.

ولكى تصبح صحفيا وعضوا بنقابة الصحفيين، فإنك تجتاز اختبارات من داخل مؤسستك، ثم تحصل على دورات تدريبية من النقابة، ولا بد من اجتيازها كشرط للالتحاق بها عضوا تحت التمرين، ثم تمضي سنة أو اثنتين في هذا الجدول، ثم تجرى لك مقابلة ودراسة من لجنة القيد لأعمالك طوال فترة التمرين، لتحصل على عضوية النقابة «جدول المشتغلين»، وفي مجال الترقى داخل المؤسسة تتحكم في مصيرك مجموعة عوامل، أهمها مواكبة كل ما هو جديد في عالم الصحافة.

في نقابة الأطباء يترك طبيب القرية لسنوات، ويظل طبيبا مهما تخلف عن ركب العلم وكل ما هو جديد، ولا يمكن شطب عضويته من النقابة إلا إذا ارتكب مخالفة يجرمها قانون النقابة.. هل نحن بحاجة إلى طريقة جديدة لكى يظل الطبيب طبيبا كما يخطط للأئمة الدكتور محمد مختار جمعة.. أظن ذلك قد أصبح ضرورة لابد وأن تلتفت إليها نقابة الأطباء.. ينسحب هذا الأمر على كل عمل في مصر.

أما في قضية الدعاة فإن الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف بحاجة إلى دعم المجتمع له، حتى نسد الفراغ الذي تتسلل منه الجماعات الظلامية إلى المنابر، وحتى نقضى على ظاهرة الشيخ الرسمى المفروض على المنبر من جهات الدولة، والآخر الذي يفرض نفسه على المجتمع بما يملك من طريقة قد تكون أكثر جذبا رغم خطورتها على أهم ما يملكه الشعب.

في كل يوم جمعة يصبح اختيار المسجد الذي تصلى فيه، كما لو كان اختيارا لورقة يا نصيب، فإما يكون حظك جيدا فتسعد بخطبة مفيدة ومهمة، وتضيف إليك ما لم يكن عندك من علم وفير، وطريقة ناجحة في توصيل أهم رسائل الدين، وإما أن يكون نصيبك مثل حظى العاثر في إمام يرى أننا جميعا سنصلى نارا حامية مهما فعلنا، أو أن تكتشف فجأة أنك تعيش في مجتمع كافر، ليس فيه مؤمن واحد إلا الإمام !!

إن ترك المنبر عرضة للهوى والهوس والجنون والجمود هو الطامة الكبرى، ومعركة وزير الأوقاف واحدة من أهم معارك الخلاص من دعاة الجمود والتخلف ونفور الناس من الدين، بسبب أئمة غير مؤهلين وما أكثرهم، فالذين تركوا المنابر لكل من هب ودب كانوا سببا قويا في صعود التطرف إلى المشهد الديني، في دولة لم تعرف التطرف على مدار تاريخها، إلا بعد الحقبة النفطية التي جلبت للبلاد شكلا مأساويا للدين، وشكلت وجدان الشباب في فترة غياب الدولة، واختطاف المنابر من عنصرين الأول هو ذلك الذي وصل إلى عقيدة الناس عبر الجماعات الظلامية والآخر هو الجمود القادم عبر أئمة غير مؤهلين للخطاب الدينى المتسامح.

ويخطئ من يتصور أن القضية هي قضية وزارة في حكومة، فالخطاب الدينى يتعدى أثره حدود ذلك بكثير، ويصبح مكلفا إذا لم يكن على قدر المسئولية الدينية، فالتشدد يقابله إلحاد، والإلحاد والتشدد وجهان لعملة واحدة كلاهما يسعى لتفكيك مجتمع متدين بطبعه، وهو الأمر الذي يفرض على الإعلام المصرى أن يصبح واحدا من أدوات الدولة في إقرار التجديد، والسعى من أجل تحرير المنابر من التشدد والتخلف والجمود، وإذا كان وزير الأوقاف قد بدأ بنفسه، فإن الأمر جلل والمشاركة واجبة، وتصويب برامج التطوير ضرورة، وإلقاء الضوء على العناصر الإيجابية واجب دينى ووطنى.
الجريدة الرسمية