رئيس التحرير
عصام كامل

إبراهيم نافع


يوم ترك "إبراهيم نافع" الأهرام كتبت مقالا بعنوان "البرنس" وكانت صدمتي أن من عارضني هم من صنعهم "نافع" وجعل لهم وزنا، وفيما بعد التقيته وكانت مأساته فيمن انخدع فيهم، وذكر عدة أسماء ولم أتردد في القول أنت من اخترتهم وصنعتهم وكبرتهم، ويعرف الصحفيون أن الرجل له فضل على أكثر من ٥٠٪‏ من الصحفيين الحاليين إما لأنه صاحب قرار تعيينهم في الأهرام بإصداراته أو بالزيادات التي طرأت على مرتباتهم، ثم هو من تحمل بشجاعة هدم مبنى النقابة القديم بشارع عبد الخالق ثروت وشيد مكانه قلعة تليق بصحافة مصر، وربما تكون نقابة الصحفيين المصرية هي الوحيدة في العالم التي لديها هذا المبنى الفخم، ويذكر الجيل الكبير والمتوسط المعركة الكبرى التي خاضها الرجل ضد السلطة، عندما حاولت وضع قيود عديدة على حرية الصحافة عام ١٩٩٥، واستمرت المعركة عاما كاملا، وتم إجبار النظام بأكمله على التراجع عن التوسع في حبس الصحفيين وسجنهم باتهامات مطاطة وفضفاضة باسم الحفاظ على مؤسسات الدولة..


قّاد نافع تلك المعركة وهو المحسوب على النظام لدرجة أن المعركة بدت وكأنها ضد الرئيس مبارك شخصيا، بل إن الأهرام الذي كان يرأسه فتح مدفعيته الثقيلة صوب قانون اغتيال الصحافة، وكتب سلامة أحمد سلامة وصلاح منتصر وفاروق جويدة وإحسان بكر ومحمد سيد أحمد وغيرهم، بينما كانت تقف كثير من الصحف على الضفة الأخرى من المعركة بل إن بعضها كان مؤيدا لاغتيال الصحافة.

كان "نافع" رجلا رشيدا في نقابة الصحفيين عبر ست دورات متتالية، وكان ليبراليا في إدارته للأهرام منذ أن أصبح رئيسا للتحرير عام ١٩٧٩، وسمح لكل التيارات الفكرية بالكتابة حتى بدت صفحات الجريدة وكأنها هايد بارك مصر، لتُعوض الأنيميا الحزبية والسياسية، وساعده على ذلك وجود قامات مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وأحمد بهجت وبنت الشاطئ ولطفي الخولي، وكثيرا ما اعترض الديسك على تحقيقات صحفية مهمة لي، وكان هو الوحيد الذي يأمر بالنشر، وعندما اكتشف أن الأهرام يشيخ سارع بتجديد شبابه وتعيين العشرات من الخريجين المؤهلين، وفي سبيل ذلك قام بإصدار ١٧ مطبوعة متخصصة، ثم كان أن راح يضيف لأهرام شارع الجلاء ثلاث أهرامات أخرى تستوعب الإدارات والتوسعات والمشروعات الجانبية ليصنع إمبراطورية إعلانية وإعلامية..

وفِي سبيل ذلك اختار خبرات كبيرة في الإعلان والتسويق وكان من بينها هدايا رأس العام التي تطورت من الأجندة حتى وصلت للسيارة والساعات الفخمة، وظل هذا الأسلوب متوارثا منذ أيام شركات القطاع العام المورد الأساسي للإعلانات، حتى دارت الأيام دورتها وخرج نافع من المنصب ليجد من يتربص به فيما عرف بقضايا الهدايا، وبعد تحقيقات تم حفظ الموضوع، غير أن توابع أحداث ٢٥ يناير كانت تمضي بسرعة في محاسبة كل أركان نظام مبارك، وكان على القمة رؤساء التحرير والإعلاميين ليعيدوا فتح ملف الهدايا واستعادتها، وكلما تم غلق الملف يتجدد فتحه، بينما كان نافع في الخارج للعلاج ليكتشف أن جواز سفره انتهى ولا تريد السفارات المصرية تجديده، بحكم أن ملف قضية الهدايا لا يزال مفتوحا، وبينما يقترب الرجل من العام الرابع والثمانين وتحاصره الأمراض لا يستطيع العودة، ولا يزال مصيره معلقا في قضية طالت في التحقيقات بأكثر مما ينبغي.

هذا ليس دفاعا عن "إبراهيم نافع" بقدر ما هو مجرد محاولة للفت النظر لأجيال عديدة من الصحفيين كان للرجل فضل عليهم وهو الآن في أمس الحاجة لمساعدته، بمنطق أن الرحمة هي الوجه الآخر للعدالة، خاصة أنه ليس متهما بحكم أن المتهم بريء حتى يثبت العكس، وإن كان البعض قد خذله في أكبر معركة لتصفية حسابات شخصية، والبعض قد شفي غليله في الانتقام من نجاح الرجل يوم كان النقيب ورئيس مجلس إدارة أكبر مؤسسة صحفية بالمنطقة، فإن منطق الوفاء يدعونا لإنقاذ ما تبقى من وفاء في هذه المهنة، وأظن أن ما قدمه للمهنة وللنقابة يستحق بعضا من الإنصاف.
الجريدة الرسمية