رئيس التحرير
عصام كامل

«الشيخ جاكسون».. والمسلم كما يريده الغرب


ألح عليّ أحد الأصدقاء في أن أشاهد معه فيلم "الشيخ جاكسون" في السينما، وهو للمخرج عمرو سلامة، وسيناريو لعمرو سلامة وعمر خالد، ومن بطولة أحمد الفيشاوي، وماجد الكدواني، وأمينة خليل.. ولأنني لا أميل بطبعي إلى دخول السينما، وقد كانت آخر مرة دخلت فيها السينما وأنا في الكلية بالفرقة الثانية، ومن يومها لم تطأ قدمي أعتاب السينما؛ نظرًا لانشغالي ودوامة الحياة، كما أن السينما ليست من هواياتي، ولكن صديقي هذا مدمن سينما، وقد شاهد هذا الفيلم وأراد أن أشاهده معه؛ ليعرف رأيي في بعض مشاهده، ولأذكر له ما انطبع في ذهني بعد مشاهدة العمل، وهو يريد بذلك أن يعرف هل هو على حق في رأيه تجاه الفيلم أم أنه يتوهم؛ ونظرًا لأنه صديق عزيز اضطررت أن أجيب دعوته، وولجنا سويًا دار العرض..


شاهدت الفيلم وانطلقت الأفكار متداخلة في ذهني بعد أن خرجت من دار العرض، وتبادلتها مع ذلك الصديق، فتساءلت ما الذي يريد أن يبثه الفيلم في الجمهور، فالقصة بسيطة عن رجل دين كان في طفولته وصباه مدمن مايكل جاكسون، يقلده في حفلات مختلفة، ويحبه بجنون، حتى هداه الله واتخذ طريق الدين ليصبح شيخًا له قدره وقيمته، ولكن فجأة يستمع لخبر وفاة جاكسون، فتنقلب أحواله ويحن للعودة إلى شخصيته قبل الهداية؛ مما يجعله في صراع نفسي.

فما الذي يريد صانع الفيلم أن يبثه إذا في المُشاهِد؟ هل يريد أن يذكر له أن الحل الوحيد والأمثل للقضاء على الإرهاب والتطرف هو في تحويل مشايخ الإسلام إلى مايكل جاكسون!؟ هل يريد أن يذكر للمشاهد أن المسلم الملتزم الذي يعرف شئون دينه حق المعرفة، ويحافظ عليها في سلوكياته دون إفراط أو تفريط، ويرغب في أن ينشِّئ ابنته على طاعة الله، وينفر من العري والرذائل، ويعرف للإسلام حقه، ويلتزم ببعض سنن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وليس متطرفًا أو إرهابيًا، ويراعي الله في كل سكناته وحركاته كما ظهر من خلال شخصية الشيخ خالد في الفيلم، هذا الإنسان السوي هو في الحقيقة يعاني مرضا نفسيا؟ حيث إن حياته هذه التي تحوي الالتزام السمح ما هي إلا نفاق، وأن الحياة الحقيقية هي في اللذة وتقليد الغرب في كل قيمه ورمزه؟

صانع الفيلم إذا يضع ذلك المسلم الملتزم في مقابل مايكل جاكسون! أو أن الإسلام يقابله الجكسنة -إن جاز التعبير- فلا يوجد عند صانع الفيلم المسلم الملتزم الذي يحب إسلامه ويحرص عليه، ومتصالح مع نفسه، ويحب الكَوْنَ بكل ما فيه، ويستطيع أن يتوافق مع كل ما يخالفه أو يعارضه أو حتى يختلف معه في العقيدة، فيعامل الجميع بالسماحة الإسلامية، فمِثلُ هذا المَثلُ لا وجود له في الواقع، وإنما من على شاكلته يكون مريضًا نفسيًا يحتاج إلى علاج؛ ليخرج من هذه الحالة إلى حالة الجكسنة والروشنة، ويمارس الروشنة وهو بزي الشيخ حتى يكون الشيخ جاكسون الذي يريده صانع العمل، ويغازل به الغرب حتى يرضى عنه ويمنحه جائزة الأوسكار كما يتوهم المخرج المصري جنسية، الأمريكي الهوى والتنفيذ كذلك.

وما آلمني أشد الألم، وأحزنني الحزن كله، ذلك المشهد الصادم الذي رأيته بالفيلم في مسجد حقيقي، حيث يصلي الشيخ خالد إمامًا ومن خلفه الناس في أزيائهم المختلفة بالبذلة أو الجلباب أو القميص إلخ، وفجأة يقطع تلاوته لسورة الفاتحة في أثناء الصلاة لاستماعه لموسيقى جاكسون خلفه، فيلتفت فإذا بالمصلين كلهم يرقصون جاكسون في المسجد، وبعضهم كما ذكرت يرقص بالجلباب وبعضهم بلحيته إلخ، فهذا المشهد يحمل قمة الاستخفاف بالإسلام وأهم شعيرة فيه وهي شعيرة الصلاة، ولو كان هذا المشهد يصور في كنيسة أو في معبد لاعترضتُ أشد الاعتراض أيضًا على تصويره بذلك الاستخفاف بدار من دور العبادة، يقدسها من يعتنق الدين الذي تمثله تلك الدار، فما بالك إن كان هذا المشهد في مسجد في بلد هويته الإسلامية ثابتة، تلك الهوية التي تحترم جميع الأديان، وتحرص على تنزيه مقدساتهم، وعدم العبث بها، فإذا المخرج في غزله للغرب يعبث بالمقدس، ويسخر من أهم شعائر الإسلام، ويجد من يدافع عنه بزعم حرية الرأي ولو على حساب الاستهزاء بالدين والسخرية منه..

فهل يرضي هذا القائمون على أمر هذا البلد، ولن نقول يرضي الله ورسوله لأنه من الواضح أنه لا علاقة لصناع العمل بالله ورسوله؟ ثم هل هناك رقابة بالفعل على مثل هذه الأعمال، تمنع تصوير ما يستهزئ بالأديان ويعبث بها فقط، وهي تصرح كما هو معلوم بكل العري والجنس، فلا شأن لنا الآن بالعري والجنس، لكن شأننا الآن بالسخرية من شعيرة الصلاة؟ فهل اطلع أحد من الرقابة على ذلك أم أن الرقابة ترى أن ذلك يدخل في بند حرية الرأي؟

وأخيرًا أتعجب من الاستعانة بأحمد مالك الذي استهان في السابق برموز الدولة وسخر منهم، بل سخر من جنود بسطاء بوزارة الداخلية، وصورهم وقد أعطاهم واقي ذكري على أنه بالون وطلب منهم أن ينفخوه ليحتفل بهم، ففعل البسطاء ذلك فراح يبث الفيديو على النت ويسخر من الداخلية وجنودها، والعجيبة أن الداخلية بعد أن هاجت وقررت محاسبته بالقانون تراجعت عن ذلك، ولم تتقدم ضده ببلاغ؛ مما جعله بعدها يشتم الدولة ورموزها بوقاحة، ولم يستطع أحد أن يفعل معه شيئًا، فمن يحمي أحمد مالك ويفرضه على الشعب المصري؟!
الجريدة الرسمية