رئيس التحرير
عصام كامل

شعب «الكمبوند» الشقيق


الكارثة أن يمر حفل التجمع بدون التوقف أمام مستقبل تلك الأمة بعد أن غسل الجميع أيديهم ما حدث، واطمأنت الأمة أن الشواذ ذهبوا للشرطة والنيابة والقضاء والسجن حتى تتكرر الحادثة، فيعيد المجتمع إنتاج واقعة التجمع بنفس الإيقاع والملل والرتابة ونفس وجوه حكماء التوك شو في دولة الفضيلة والقيم والقانون، وطبعًا الخبراء والفلاسفة والسياسيين والاستراتيجيين الذين وضعوا خطط مستقبل مصر في ٢٠٣٠، لن ينتبهوا لتلك الكارثة، وكأن الذين سينفذون خطط المستقبل ليس هؤلاء، وهم مجرد عينة ممثلة للنخبة القادمة التي ستحكم وتدير دولاب العمل في تلك الأمة، وطبعًا هذا الموقف المتعالي أو المتجاهل لوقائع التغير الذي يحدث في مصر يتسق تمامًا مع الجيل الجديد..


فعندما هرب الأولاد والبنات من المؤسسة الرسمية في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة والعيش للعزلة خلف أسوار المنتجعات العالية، أو التسكع على مواقع الإلحاد والشذوذ والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي كان هذا السلوك متماثلا تمامًا مع موقف السلطة في العيش خلف أسوارها، وتقارير السادة الخبراء والاستماع لشباب من صناعة أجهزة اختارتهم بعناية يمثلون عموم شباب الوطن الرسمي، بينما الوطن الحقيقي أو الموازي لا يعرف عن "الكمبوند" شيئا سوى ما تسرب إليهم في مسلسلات رمضان التي تخاطب شعبًا مختلفًا، وفي المقابل هناك إسراف وتناقض في محتوى أفلام مؤسسة السبكي التي آلت إليها حصريًا تشكيل ذوق وسلوك جيل العشوائيات من غير قاطني "الكومبوندات" لكي يصبح "عبده موتة" و"شعبان عبد الرحيم" و"سعد الصغير" و"صافينار" و"سما المصري" هم النجوم من شعب "الكومبوندات" لرفع الأسعار أكثر، والذهاب لأندية الدولار وشواطئ المليونيرات والذهاب للكافيهات بعيدًا عن مقاهي العامة، واخترعوا للشيشة نكهات النعناع والمانجو والجوافة بدلا من معسل "الأص" و"السلوم" وأصبح مشهد البودي جاردات مألوفًا في الكافيهات والجامعات والشواطئ الخاصة، ولم تعد معرفة الكتابة ونطق اللغة العربية تجرح أبناء "الكومبوندات" وباتت اللكنة الأمريكية هي اللغة الأم لهم، وهو ما دفع نصف الشعب الآخر من ابتكار لغتهم ومصطلحاتهم لمواجهة حصار "الكومبوندات" وإعلاناتها على الطرق والكباري وما بين المسلسلات..

وكأن شعب البلد الفقيرة قوي قادر على الصمود بشرف في الحياة لمواجهة إعلانات وشعب وسلوك شعب الكومبوندات المحصنة من تطفل الغوغاء، وليت الأمر اقتصر على استثمارات القطاع الخاص في بناء تلك المنتجعات، ولكن البداية كانت للدولة التي ذهبت لبناء مارينا وأخواتها والاستفادة من الفارق بالبناء للفقراء، وتلك كانت استراتيجية رجل محترم اسمه حسب الله الكفراوي، ولكن كل من جاء بعده ذهب لتشجيع الاستثمار في المنتجعات دون النظر للطبقة الوسطى والفقراء، حتى أن الاستثمار في نحو ٥٠٠ منتجع وصل إلى ما يقرب من تريليون جنيه بأسعار ما قبل التعويم.

ومن الطبيعي أن لشعب "الكمبوند" مدارسه وثقافته وأنديته وشلته، وبما إنهم الأفضل تعليمًا وحظوظًا فهم حكام الغد، ويفترض فيهم تدعيم العدالة الاجتماعية التي لم يمارسوها نشأة وثقافة، بل لا يؤمنوا بها، فإن هناك خطرًا على تلك الأمة ربما ليس الآن ولكن بوادره ظهرت في حفل التجمع المتمرد على كل ما يحدث وإن كان بصورة فجة، كامتداد لعنصرية شعب المنتجعات التي لا تستحي الإعلانات عنها من المقارنة بين السكن فيها والسكن في العشوائيات، ورفض الصعايدة حتى ولو كانوا قادرين على الإقامة؛ لأن مسئولة الإعلانات ترى أنهم غير قادرين على التأقلم، وما يحدث الآن يشير إلى شعبين وطبقتين أشقاء صحيح ولكن الفارق يتسع بينهما يوميًا، وتأخذ صور الاحتجاجات بينهما أشكالا متغيرة، وربما يكون حفل التجمع أهونها طالما هناك إدارة مشغولة بمشروعاتها العملاقة، وتنسى أن العدل الاجتماعي هو المشروع المنقذ والعملاق لبناء أمة شبابها لا يفتخرون بشذوذهم.
الجريدة الرسمية