رئيس التحرير
عصام كامل

كان أبى!


كان بيننا قبل عدة أيام، يجلس هادئًا مطمئنًا يداعب أحفاده، راضيًا بقضاء الله وقدره، لا تغره متع الحياة وزخرفها، ولا تشغله سفاسف الأمور وتوافهها، والآن هو بين يدى غفور رحيم، كان أبى وكنت ابنه، ولم يكن بالنسبة لى مجرد والد زوجتى وجد أولادى، أبصرته للمرة الأخيرة يوم الثلاثاء الماضى، شعرت وأنا أنظر فى وجهه الطيب باقتراب الخاتمة، وتذكرت مقولة جدى رحمه الله: "يا الله حسن الختام".


وفى فجر يوم الجمعة جاءنى الخبر من زوجتى عبر الهاتف "أبى مات"، قلت: "إنا لله وإنا إليه راجعون" وشعرت بأن قلبى انخلع من صدرى، وبأن الموت نزع من روحى شيئًا لن يعود بعدها أبدًا، فأغمضت عيناى وتوسلت إلى الله بكل اسم هو له أن يخفف عنى وعن زوجتى وشقيقها مصطفى ووالدتهما هول الفاجعة، وظللت أحبس دموعى فلم تطاوعنى عيناى، فالآن آن لهما أن تدمعا حزنًا على أب طيب وكريم.

قلت فى نفسى: "الآن لن يجد ولدىَ مصطفى ومحمود تلك الأيدى الحانية التى تداعبهما، لن يجدا بعد اليوم تلك الروح المطمئنة، ولن يجدا جدهما الغالى، ولن نجده نحن أيضًا، ساعتها خشعت نفسى للرحمن الرحيم وقلت: يا رب يا ذا الجلال والإكرام أعنا على تحمل أحزاننا، يا رب أفرغ علينا صبرًا من لدنك.


للحاج عبدالحميد حسن من اسمه نصيب كبير، فقد كان رجلا تقيا نقيا، بسمته كانت تضىء الدنيا، ضحكته كانت تثير فرح القلوب، وكلماته كانت بلسما يداوى الجراح، كنت أشعر بالصفاء كله عندما أجلس إليه وأستمع إلى حديثه العذب، لم أره يومًا منفعلا، ولم أسمعه يوما ينطق بكلمة سوء، حتى آخر كلماته فى الدنيا كانت طيبة مثله، قال: "السلام عليكم.. قدر الله وما شاء فعل" ثم نطق الشهادتين وعبارة الله أكبر، وفاضت روحه إلى بارئها، تسبح بحمد القوى العزيز.
إن عزاءنا أن الرجل الطيب صار بين يدى الحى القيوم، الغفور الرحيم، وإن عزاءنا أيضًا قول ربنا جل وعلا "كل من عليها فان ويبقى وجهُ ربك ذو الجلال والإكرام"، وأن الموت مصير كل إنسان، كل بعيد وقريب وكل عزيز وأمير، كل ذليل وحقير، كل صعلوك ووزير، فالموت هو النهاية المحتومة، والكل يعلم بأن نهايته الموت، "وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا".

رحل الحاج عبدالحميد إلى روح وريحان وجنة نعيم.. رحل إلى حيث مقام كريم عند رب رحيم.. رحل إلى حيث يبدله الله دارًا خيرًا من داره، ولا نزكيه على الله تعالى، فهذا قضاء الله الذى لا راد له، و"كل نفس ذائقة الموت"، والموت داء لا دواء له، ولا شفاعة فيه، ومن أراد واعظًا فالموت يكفيه، وكلنا سنترك الدنيا بحلوها ومرها – إن عاجلا أو آجلا – وسنلقى وجه رب كريم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الجريدة الرسمية