رئيس التحرير
عصام كامل

محمد نجيب.. الرئيس الديكتاتور!


نعم كما قرأت، هذا ليس عنوان خادع القصد منه إثبات العكس، أو حتى عنوان يقصد منه التدليس والتلويح والغمز واللمز وكل ما إلى ذلك، هو ديكتاتور لا يؤمن بأي تداول للسلطة أو حقوق الشعب، يرى نفسه المخلص الأوحد والقائد الفذ، ويضيف ذرعًا بأي نقد ويتمنى أن يملك كل السلطات.


منذ أيام مرت ذكرى ميلاد محمد نجيب– 20 فبراير– هل لنا أن نقرأ عن الرجل لا منه؟ معظم من وصفوه بالديمقراطي أو اعتبروا أن صدامه مع مجلس قيادة الثورة هو صراع قرارات مارس والحياة النيابية، استندوا في ذلك على كتاب «كنت رئيسًا لمصر» الذي كتبه نجيب بعد العزل، بهذا المنطق يمكن أن نعتبر «مبارك» بطلًا بسبب كتابه، وأن نعتقد أن «السادات» هو مفجر ثورة يوليو الحقيقي، كما أشار بذلك في «البحث عن الذات».

وقبل الكتابة عن «نجيب» والتي ستعتمد على ما قاله آخرون معظمهم مقربون منه، ومن خلال مواقف لا تقبل الشك بل علينا فقط الاستخلاص، فإن القصد من ذلك ليس تبريرًا لتصرفات عبد الناصر كما يحاول البعض توصيفهم بفريقين، ولا حتى إهانة أول رئيس جمهورية لمصر وله تاريخ عسكري مشرف ولكن لمعرفة التاريخ، خاصة أن معظم من غادروا عبد الناصر لأسباب كثيرة، قالوا إنهم تركوه بسبب الديمقراطية حتى المشير عبد الحكيم عامر ذاته الوحيد الذي استقال ولم يقل ديمقراطية، كان عبد اللطيف البغدادي الذي استقال احتجاجًا على عدم تنفيذ الديكتاتورية العسكرية كما يجب.

نجيب يهدد!
كانت البداية من سلسلة أفلام وثائقية عن تاريخ الصحافة العربية بثته قناة الجزيرة الوثائقية، وخصصت حلقتين لمصر لتكون صدمتي في مانشيت أخبار اليوم على لسان محمد نجيب، وهو يقول «من يحاول تشويه الثورة سأسحقه»، تلك نقطة من بحر.

5 مارس وأوامر نجيب
خالد محيي الدين أحد مؤسسي الضباط الأحرار، يسلط الضوء أكثر على ديكتاتورية نجيب ولعل اختيار «محيي الدين» موضوعي فهو الرجل الذي انتقد «عبد الناصر» وكتب فيه ما لم يجرؤ غيره على قوله ناهيك أنه من أوائل الراحلين، وصاحب رواية انتماء «ناصر» للإخوان، التي تعد التهمة الأبشع التي تلاحق الزعيم.

في البداية فإن قرارات 5 مارس التي تضمنت عودة الحياة النيابية وإجراء انتخابات وعودة مجلس قيادة الثورة إلى موقعه الأساسي لم تكن إلا نتيجة ضغط الشارع واستقالة «نجيب» في 26 فبراير، التي أربكت الجميع بجانب انقسام في القوات المسلحة، أسلحة تريد الحكم وأخرى تريد الديمقراطية، ولم يكن من بد لهذا الطريق، لم يكن في الأمر أي بطولة لا لنجيب أو عبد الناصر.

يقول «خالد محيي الدين» في كتابه «والآن أتكلم» إنهم أثناء اجتماع مجلس قيادة الثورة لمناقشة استقالة نجيب والتفاوض حول عودته، تم اجتماع بين «ناصر وجمال سالم والسنهوري» وأبلغهم الأخير أن «نجيب» يشترط حال عودته رئيس أن يكون له حق الاعتراض على قرارات مجلس الوزراء، حق تعيين أو الاعتراض على تعيين قادة الكتائب والألوية في الجيش.

وأثناء مناقشة تلك المطالب زادت مطالب «نجيب» على لسان سليمان حافظ، الذي أوضح أن «نجيب» يشترط أيضًا أن يكون لرئيس الجمهورية بالإضافة إلى ما طالب به من سلطات كل سلطات رئيس الجمهورية طوال فترة غياب البرلمان، وأن يكون مرشحًا وحيدًا للرئاسة.

بعد ذلك برر نجيب مطالبه بالقول، حسب «محيي الدين» إنه يريد أن يعرف «رأسه من رجليه»، وهنا مربط الفرس، لم يكن إذا مطالبًا بالديمقراطية بل هى لعبة السلطة التي بها أراد أن يؤمن نفسه، وربما ما طالب به من سلطات هي في الأصل حق لرئيس الجمهورية، لكن مع حالة نجيب وهو على أحسن الأحوال شريك في ثورة يوليو، لم تكن تلك المطالب سوى انفراد بالسلطة، ولعلنا سنقول إن من حق نجيب أن يؤمن نفسه، ينفرد بالسلطة، يفعل كل شيء مثل زملائه لكن الاعتراض الوحيد أن يضفي على نفسه صفة الديمقراطية وهى بعيدة عنه.

مطالب «نجيب» مستمرة، أضاف عليها أن يكون له حق تعيين قادة الوحدات في الجيش، وحق الاعتراض على قرارات مجلس الثورة، وأن يكون من حقه حضور جلسات مجلس الثورة وعند الحضور يكون الرئيس، بجانب اشتراط عودة الضباط المفصولين إلى صفوف الجيش خاصة هؤلاء الذين يعملون في هيئة التحرير الغاضب عليهم ناصر، بجانب المطالبة بأن يكون الاستفتاء على النظام الجمهوري مرتبط بكونه رئيسًا، فيكون اختيار واحد لضمان بقائه على عرش مصر إذ إن الجميع كان ضد الملكية مرة أخرى.

ولعل السمة الأبرز أن تلك المطالب هى ما أدت في النهاية إلى إلغاء قرارات 5 مارس، بعد أن شعر الضباط الأحرار أن محمد نجيب ينوي الانفراد بالسلطة.

من رواية محيي الدين إلى سليمان حافظ أبرز أصدقاء نجيب وأحد من شتموا ولعنوا عبد الناصر، فالرجل بشكل غير مباشر أدان «نجيب» في مذكراته التي لم تتعدَ 140 صفحة، ليعلن أن مقترح إلغاء الأحزاب وهو أحد أبرز الأمثلة الديكتاتورية على عصر عبد الناصر كان قرار محمد نجيب وهو من صدق عليه، إلى هنا قد يشكك البعض في قدرة الرئيس على الرفض لكن «حافظ» المقتنع بهذا الإجراء، أكد أن محمد نجيب كان مقتنع جدًا بهذا الإجراء!

في سوريا وأثناء حركة حزب البعث كان الرجل القوي وصاحب القبضة الحقيقية فيها اسمه «صلاح جديد» وهو مرتكب الكثير من الجرائم، لكن حركة السلطة أطاحت به وتولى الأمر حافظ الأسد الذي حبس «جديد» حتى وفاته، هل لنا أن ننعت «جديد» بالمظلوم.

قد يكون «نجيب» فعل كل ذلك لأسباب كثيرة، لعل أولها حفاظه على حياته مع مجموعة رفعت شعار«إما الثورة وإما الديمقراطية»، لكن صورة البطل الأسطوري التي أضفاها على نفسه كانت تتطلب أن يضحي بكل شيء من أجل الديمقراطية، وأن يحافظ عليها بدون أي مميزات لنفسه، لكن طالما أن الأمر صراع سلطة ولعبة شد الأطراف فيبقى «نجيب» مهزوم في تلك اللعبة بسبب ذكاء «ناصر» وفي الحالتين فإن الديمقراطية بريئة منهما.
الجريدة الرسمية