رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الرأسمالية المتوحشة تقتلنا بقلب بارد !!


النظام الرأسمالي قائم بالأساس على الاستغلال، وهو نظام اقتصادي ينقسم فيه المجتمع إلى طبقتين أساسيتين، الأولى تسمى طبقة البرجوازية، وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يسيطرون على الثروة والسلطة داخل المجتمع، والثانية تسمى طبقة البروليتارية وهم العمال الذين لا يمتلكون غير قوة عملهم، ويضطرون إلى بيعها من أجل البقاء على قيد الحياة، والأولى تسعى دائمًا إلى تعظيم أرباحها ومكتسباتها وثرواتها على حساب الثانية، وعبر استغلال فائض قيمة عملها ومص دمائها، وهذا النظام الذي ظهر في أوروبا في أعقاب الثورتين الصناعية في بريطانيا والفكرية في فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، أثار كثيرًا من الجدل حيث جاءت النظرية الماركسية كنتاج طبيعي لهذا النظام الرأسمالي المستبد والمتوحش، وحاولت النظرية أن تطرح النظام الاشتراكي كنظام بديل للنظام الرأسمالي الذي يفتقد أي بعد للعدالة الاجتماعية.


ومع مرور الوقت أصبحت الاقتصاديات العالمية تدور في فلك هذين النظامين، فاتجهت الكتلة الغربية لتطبيق الرأسمالية، في حين اتجهت الكتلة الشرقية لتطبيق الاشتراكية، وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت الحرب الباردة بين القطبين الجديدين في العالم الولايات المتحدة الأمريكية التي تتزعم النظام الرأسمالي والاتحاد السوفيتي الذي يتزعم النظام الاشتراكي، وسعت مجتمعات العالم الثالث التي تحاول اللحاق بركب التقدم والتنمية إلى محاولة تطبيق واستنساخ هذه التجارب التنموية، وحاول القطبين العالميين استقطاب الدول النامية إلى محورهما، وكان من نصيب مصر التي شهدت حركة تحرر وطني في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، أن تختار طريق التنمية على الطريقة الاشتراكية التي تحقق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية، والتي تسعى لتذويب الفوارق بين الطبقات، وقد كان حيث نمت الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق في التاريخ المصري على حساب الطبقات الفقيرة، وتمكنت مصر من بناء مجتمع منتج قائم على فكرة الكفاية والعدل، وشهدت المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي أن التجربة المصرية حققت نجاحًا مبهرًا لدرجة سبقت فيها مصر كوريا الجنوبية، التي بدأت تجربتها التنموية في نفس التوقيت.

ومع مطلع السبعينيات و رحيل الزعيم "جمال عبد الناصر" وتولي الرئيس أنور السادات حكم مصر قرر أن يتخلى عن السير على طريق التنمية المستقلة، والتي تستلهم النموذج التنموي الاشتراكي، وكان البديل الجاهز بالنسبة له هو طريق التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية حيث أطلق مقولته الشهيرة إن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأمريكان ومن يومها بدأ الدوران في فلك الرأسمالية المتوحشة، حيث أعلن عن تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي التي خلقت وخلال سنوات معدودة، ما أطلق عليهم القطط السمان وهم مجموعة من السماسرة الذين يعملون وكلاء لدى الشركات الرأسمالية العملاقة متعددة الجنسيات والعابرة للقارات، وأطلقوا على أنفسهم مسمى رجال الأعمال بغض النظر عن نوعية هذه الأعمال سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة. 

وأصبحت هذه القطط السمان هى من يتحكم في الاقتصاد الوطني وبدأت عمليات الفرز الاجتماعي تتم على قدم وساق حيث يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا وتختفي الطبقة الوسطى التي تآكلت مكتسباتها في ظل تطبيق آليات السوق.

ورحل السادات وخلفه مبارك الذي قرر الاستمرار على نفس نهج التبعية للنظام الرأسمالي المتوحش، وفي عصره الذي استمر ثلاثة عقود كاملة تحولت القطط السمان إلى ديناصورات مفترسة، ابتلعت ثروات الوطن وضاعفت من ديونه الداخلية والخارجية مرات ومرات وقامت ببيع ممتلكات الشعب بدون سند من دستور، وأصبح الملايين من الفقراء يعيشون دون خط الفقر، وانقسم المجتمع إلى طبقتين الأولى هى مجموعة سارقي وناهبي قوت الشعب الذين يطلقون على أنفسهم زورًا وبهتانًا رجال الأعمال، الذين تمكنوا من عقد زواج غير شرعي بين رأس المال المسروق والمنهوب والسلطة التي أصبح المال أحد أهم وسائل الوصول إليها، والثانية هى الغالبية العظمى من الشعب المصرى الذي يعاني من استغلال واستبداد وظلم وقهر الطبقة الحاكمة.

وعلى الرغم من ثورة الشعب على النظام الرأسمالي التابع مرتين متتاليتين الأولى في 25 يناير 2011 والثانية في 30 يونيو 2013 إلا أنه لم يتمكن من إسقاط هذا النظام الرأسمالي المتوحش، والذي ما زال يتلقى التعليمات من سيده الأمريكي بقتل الشعب بقلب بارد، عبر تنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي، والتي لا يدفع فاتورتها غير الفقراء والكادحين، حيث تسيل دمائهم يوميًا تحت عجلات قطار الأسعار الذي لا يرحم استغاثاتهم، لذلك يجب أن يعي من يحكم مصر أن المصريون حين رفعوا شعار الشعب يريد إسقاط النظام لم يكن الهدف الإطاحة بأشخاص بقدر ما كانوا يستهدفون الإطاحة بالسياسات الرأسمالية المتوحشة التي تقتلنا بقلب بارد، ولن يتوقف نزيف دم الفقراء إلا بإسقاط هذا النظام الرأسمالي المتوحش، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

Advertisements
الجريدة الرسمية