رئيس التحرير
عصام كامل

من يحكم العالم (٣)


اتفق كتاب من يحكم العالم لـ"نعوم تشوميسكي" مع كتاب القوة الناعمة لـ"جوزيف س ناي" أن الفكرة التقليدية لوجود دولة كقوة عظمي تحكم وتتحكم قد أصبحت من الأساطير التي كانت واقعا عندما كتب آدم سميث كتابه ثروة الأمم، ولكن تكون شكل القوى العظمي الجديدة بدءا من الشركات الإنجليزية التجارية التي سُميت فيما بعد متعددة الجنسيات في رغبة منها بالظهور المحايد عن توجهات جنسياتها سياسيا أو ثقافيا رغم أن ذلك غير الواقع وقد استطاعت هذه الشركات تاريخيا صياغة ما يسمي اتفاقيات التجارة الحرة ثم أصبحت بالتدريج تتحكم في صناعة السينما والإعلام ثم التعليم وبالتالي أصبحت قوة عظمى عالمية تَخَلق مناخا لنظام عالمي جديد في الشكل والمعايير.


لعل أكبر التحديات التي واجهت السياسات الاقتصادية النيوليبرالية هو التعدي على سلطة الشعوب مما سبب تنامي قومي اليسار أو اليمين وهو ما حدث في أوروبا بل إن سياسات التقشف سببت غضب الشعوب وهو ما لم ينكره مسئولو صندوق النقد الدولي.

يري تشوميسكي أن معارضة الشعوب لسياسة الحكومات يسبب ضغطا على القرار السياسي على عكس آراء سياسيين آخرين يرون أن الإدارة الأمريكية أو من الرأي العام ودلل بذلك على الحركات المناهضة لحرب فيتنام أيضا عدوان ريجان على أمريكا الوسطي ثم مأساة غزو العراق لنشر مصطلح الديمقراطية لذا يري أن غضب العامة دائما يقلق الطبقات المتسيدة والمسيطرة ولكنه اصبح واقعا في كل دول العالم كما رصدها "ويليام بولك" في كتابه "السياسة العنيفة" لذا دعا الليبراليين إلى الاعتدال في الديمقراطية لعدم تصدر خطاب العامة الشعبوي إلى الصدام مع الطبقات المتسيدة وضرب المثل بالجنرال "جورج واشنطن" في تهميشه للعامة والجهلاء داخل الجيش الذي وحد أمريكا.

أما عن القوة العسكرية الأمريكية التي تمثل جوهر القوة الأمريكية فتتمثل في ثلاث مناطق ألا وهي شرق آسيا حيث تمرح البحرية الأمريكية ثم أوروبا حيث حلف الناتو التي تتحمل أمريكا ثلاثة أرباع تكلفتها العسكرية إلى الشرق الأوسط حيث القواعد العسكرية.

يتحدث "تشوميسكي" عن الحرب على الإرهاب ويرى أن غزو أفغانستان كان مبالغا لأنه قوض المجهودات القبلية والشرطية الداخلية أو المفاوضات لإسقاط طالبان واستعمل القوة الغاشمة التي لم تنه قوة الإرهاب والقاعدة على حسب رأي القادة المحليين واستشهد بكلام "ريتشارد كلارك" أمام "بوش" عندما وصف غزو أفغانستان بانتهاك للقوانين الدولية عموما فقد سببت هذه الحرب المعاناة للشعب الأفغاني بدون القضاء على جذور الإرهاب في شكل من استعراض القوة الأمريكي.

ويري "تشوميسكي" أن غزو العراق هو جريمة القرن الحادي والعشرين لأن العراق كان يخضع لعقوبات اقتصادية قبلها مما سبب معاناة الشعب العراقي أمام الفقر والجوع لذا فلم تستطع القوة الأمريكية أصباغ الشرعية على الغزو مما ساهم في دعم العراقيين للمقاومة فانتهي الأمر بانسحاب القوات الأمريكية ليتكون ما يسمي بداعش فلم يتحقق النصر للولايات المتحدة وإنما كان الفائز الأوحد هو إيران.

انتقالا إلى ليبيا التي تدخلت فيها أمريكا وفرنسا وبريطانيا كسرا لقرار الحظر الجوي الذي أصدره مجلس الأمن برقم ١٩٧٣ مما جعل الخسائر البشرية لعشرة أضعاف ومثلت ليبيا بيئة مثالية لتكوين داعش جديدة.

أن دراسات معهد أوسلو للسلام استنتجت أن أغلب الصراعات في الشرق الأوسط هي صراعات داخلية وتم فرض حل خارجي عنوة مما سبب انهيار الدول المذكورة وكانت ٩٨٪‏ من احداث العنف بعد التدخل العسكري غير المحسوب عواقبه.

يحلل "بولك" في كتابه السياسة العنيفة أن التدخل العسكري الخارجي يمر بعدة مراحل أولها الاحتلال عنوة وكسر النظام السابق وربما بنوايا حسنة ثم تبدأ المقاومة والرفض الشعبي فإما أن ينسحب المحتل أو يبيد الشعب بشكل ما ويسيطر وهذه هي البيئة المثالية التي يستهدفها تنظيم داعش لتوسيع الموارد واستكمال دورة النمو في المجتمعات المحطمة ويري "تشوميسكي" أن الرأي بأنهىا المنظمات الإرهابية بمقتل قادتها هو حلم وردي لأن القاعدة وداعش قد يندمجان لولا خلاف البغدادي والظواهري وقد يقتل احداهما فيتحقق الاندماج لتنظيم عملاق.

يتحدث "تشوميسكي" عن مهزلة اتفاقية سايكس بيكو التي اخترعتها الإمبرالية الغربية بدون دراسة احتياجات الشعوب لتتحول هذه الدول إلى دول جاهزة للانفجار كما أشار "روبرت فيسك" في تحدي داعش للاتفاقية والتي تسببت بطريقة غير مباشرة أن الغرب يُستقبل اللاجئين ايمانا بالإنسانية رغم أنه من أسس "سايكس بيكو" بشكل عشوائي يستهدف احتلال هذه الدول في عهد ما.

مابين آراء "تشوميسكي" نعود إلى آراء "جوزيف ناي" في كتاب القوة الناعمة ٢٠٠٦ الذي وضح مكتسبات القوة الناعمة الأمريكية ضد القوة العسكرية وآلياتها وهي الاقتصاد والتعليم والإعلام من أجل السيطرة على العالم وفرض إحداثيات القوة العظمى من خلال نظام عالمي جديد يعاد تأسيسه في المرحلة الراهنة.
الجريدة الرسمية