رئيس التحرير
عصام كامل

من يحكم العالم؟


الجزء الأول
بعيدًا عن الأساطير التي تعتقد أن الماسونية تحكم العالم، ولكن هناك منظمات أكثر سرية وقوة كشفت عنها صحيفة إكسبريس البريطانية، وتحتوي عضوياتها رؤساء دول عظمى ووزراء مؤثرين ومنها منظمة الجماجم والعظام ومنظمة جماعة المتنورين ثم البوستان البوهيمي ثم جمعية بيلدر بيرج وبعيدًا عن نظرية المؤامرة - وإن أخطأت وإن صحت - فإنه ليس هناك أبحاث علمية تثبت هذه النظريات مما يجعلها أساطير، ولكن هناك دلائل علمية وأبحاثا تتداولها جامعات السياسة والاقتصاد على قدر من الموضوعية في هذا السياق، وأعتذر لمن يعتقدون غير ذلك، لأن المنطق وأساليب البحث العلمي هما الطريق للإقناع وليس بوستات فيس بوك من أجل التعاطي مع زمام الأمور وطرح الحلول الاقتصادية للدول لن يأتي إلا بإدراك الإحداثيات على خريطة القوى العالمية.


لعل أبحاث المعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا إلى مقالات نعوم تشوميكسي إلى كتاب -يعد من أهم عشرة كتب عالميًا وهو- نهاية عصر القوة / السلطة، أجابت على السؤال بعقلانية، وبالطبع فإن كل منها يحتاج لمقالات في الشرح لذا سنطرح أبحاث المعهد السويسري في هذا المقال التي اتفقت مع مقالات وكتب سابقة مثل كتاب القوة الناعمة لجوزيف س ناي واضع إستراتيجيات الولايات المتحدة في التحكم والتأثير، ونطرح النظريات الأخرى تباعًا في مقالات لاحقة.

وفي بحث يعتبر الأول من نوعه بدراسة التأثير الدولي للشركات قدم الباحثون ستيفاني فياللي، وجيمس جلاتفيلدر، وستيفانو باتيسون، شرحا لما يسمى بشبكة الشركات العالمية الكبرى، وهي الشركات متعددة الجنسيات، وعلاقتها بالتحكم في الأوضاع الاقتصادية حول العالم، ويشرح كيف أصبحت هذه الشبكة أشبه برابطة العنق على حد تعبيرهم، أي أن الجزء الأكبر من الشركات يمثل الجزء الأدنى من الرابطة، في حين أن مسارات التحكم في توجهاتها يأتي من أعلاها في العقدة الصغيرة مما يجعل هذه الشركات المتمثّلة في هذه العقدة هي القوى العظمي الحقيقية في النظام العالمي.

المهم في البحث هو الأسانيد والدلائل الموضوعية من خلال دراسة ٤٣٠٦٠ شركة متعددة الجنسيات ومرتبطة ومتداخلة في ملكياتها طبقا لتقرير منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي، والسؤال الذي طرح نفسه، هل يمكن أن يتم التحكم في سياسات الشبكة؟

فكانت الإجابة الصادمة أن ٨٠٪‏ من إمكانية التحكم تتركز في أيدي ٧٣٧ شركة، وبشكل آخر تمتلك هذه الشركات قدرة على التحكم توازي عشرة أضعاف ثروتها، وبالتالي يتحكم في قرارات هذه الشركات حاملو النسب الأكبر من الأسهم، وقد تصل قدرة الشركة ذاتها إذا تواجدت في الجزء الأكثر تعقيدا في ربطة العنق إلى ٥٠٪‏ من التحكم مقارنة بنسبة ٦٪‏ إذا كانت خارج العقدة وبنفس الثروة، وأثبتت الدراسة أن ٤٠٪‏ من التحكم في يد ١٤٧ شركة كبري في قلب العقدة، وبالتالي يمثلون قوة عظمي تحكم العالم والمفاجأة الكبري أن ٧٥٪‏ من الشركات داخل قلب العقدة هم وسطاء ماليون كالبنوك وشركات الاستشارات المالية والبورصة.

أن شركات عقدة رابطة العنق تمثل تنظيما لما قد يسمي نادي الأغنياء التي تعمل على زيادة ثروتها على حساب الآخرين وبكل شراسة لحساب عدد محدود من حاملي الأسهم الذي يتحكمون، ويحكمون العالم بل انهم يمتلكون البنك المركزي الأمريكي المتحكم في طباعة أوراق النقد الأمريكي( الدولار) ونعود لنظرية المؤامرة فإن هذه الشركات هدفها الأول المال، ثم تأتي إنتمائاتها الدينية والعرقية لاحقآ بالدرجة الثانية، وبالطبع تستفيد من وجود شعوب تشعر بالاضطهاد (المؤامرة) وإهمال قيم العلم والعمل والإنتاج ليزداد الغني في غناه والفقير فقرًا.

وهنا يتبادر إلى ذهني سؤال: هل تدرك المجموعة الاقتصادية في حكومة إسماعيل واللجنة الاقتصادية في البرلمان هذه الإحداثيات وكيف تسير المنظومة العالمية؟.. والسؤال هل ترغب هذه المنظومة في انتقال مصر كأكبر سوق استهلاكي عشوائي في المنطقة المتأخرة إنتاجيًا (الشرق الأوسط وأفريقيا) إلى نموذج الإنتاج الذي أصبح حكرًا على الشرق وخاصة الصين ( مصنع العالم)؟..إلى الإبداع العلمي والفني الذي هو حكر على الغرب.. دعك من هؤلاء... أتمني أن يتابع الرئيس السيسي هذه السلسلة من المقالات ليعبر بمصر من أزمتها الاقتصادية المفتعلة إلى بر الأمان، بحكمة يهبها له الله في ظل التحديات والأزمات التي تواجه الوطن في معركة بقاء الدولة.
الجريدة الرسمية