رئيس التحرير
عصام كامل

كيف يتم ضرب إيران دونما نقض الاتفاق النووي؟


عندما تبحث من خلال محرك البحث "جوجل" عن كلمتي "ترامب" و"إيران" ستجد مئات التحليلات التي تقول إن ترامب سيتراجع عن موقفه بشأن ما قاله من نقض الاتفاق النووي مع إيران والمعروف باتفاق الدول الست، على اعتبار أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيعود بعواقب وخيمة من بينها ما ذكرته هيلاري كلينتون من أن نقض الاتفاق سيهز صورة أمريكا أمام العالم.


صحيفة "الجارديان" البريطانية قالت في تحليل أمس، إن تعيين ترامب "جون بولتون" كوزير للخارجية سيكون كلمة السر في ضرب إيران، فرأي جون بولتون هو توجيه ضربة لإيران، وفقا لما نشرته الجارديان.. صحيفة "النيويورك تايمز" نشرت تقريرًا عن رسالة وقعها 76 من الخبراء ورجال السياسة الأمريكيين يحثون ترامب على عدم الانسحاب من الاتفاق.. الصحيفة قالت إن نقض الاتفاق أو انسحاب الولايات المتحدة سيعطي إيران الذريعة لتطوير سلاح نووي، وأضافت أن الاتفاق أدى إلى حصول إيران على مئات الملايين من الدولارات، وأن الكثير من الدول الأوروبية لديها مصالح واستثمارات مع إيران، وأنه سيكون من الصعب حاليًا "نقض" الاتفاق.. "نيويورك تايمز" قالت إن نقض الاتفاق النووي مع إيران أو انسحاب الولايات المتحدة منه سيؤدي إلى إثارة حفيظة روسيا.

هناك تناقض في تصريحات دونالد ترامب، فتصريحه بأن أمريكا لا يمكن أن تظل "بوليس العالم" يعني تقليل نفوذ الولايات المتحدة في الخارج، بينما تشير تصريحاته عن الاتفاق النووي مع إيران الذي وصفه بالكارثي، وهجومه على سياسات أوباما وهيلاري كلينتون وفشلهما في التعامل مع كوريا الشمالية ضمن الاتفاق، وعدم وضع شروط مرتبطة بالوضع في اليمن، إلى أن ترامب سيعسى إلى زيادة نفوذ الولايات المتحدة وضمان أن تكون يدها هي العليا في الصراعات وفقًا للمصالح الأمريكية.

الجدل حول سياسة ترامب الخارجية نحو إيران والشرق الأوسط يضع رئيس أمريكا الجديد أمام خيارين: الأول، أن يتراجع عن رأيه ويعدل عن نقض الاتفاق ويستمر في انتهاج السياسة الخارجية نفسها التي انتهجها أوباما، وأن يركز جهوده في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية باعتبار أن ترامب يرى أن أوباما وهيلاري –كوزيرة للخارجية– فشلا فيه.. هذا الخيار يضع ترامب في حرج أمام ناخبيه، كما أن تراجع ترامب عن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران يضعه في مأزق مع إسرائيل ومع لجنة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الخارجية والمعروف باسم "إيباك" التي أعلنت تأييدها بشكل مطلق ترامب بعد وعده بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.. أما الخيار الثاني لدى ترامب هو أن ينفذ وعده لإسرائيل وينسحب من الاتفاق النووي مع إيران ويواجه غضب ألمانيا وروسيا اللذين يصران على استمرار الاتفاق النووي مع إيران.

قد يكون من الصعب أن يلجأ ترامب لخيار من الاثنين.. لا أعرف لماذا يتحدث بعض المحللين عن السياسة الخارجية للصقور –الجمهوريين– وكأنهم يتلمسون الطريق لفهم السياسة الخارجية لليمين الأمريكي الذي ظن البعض أن جورج بوش هو أقصى متطرفيه.. فينشغل المحللون ويحكون رءوسهم بأظافرهم لمعرفة هل تحترم الولايات المتحدة قرارها بالمشاركة في الاتفاق النووي مع إيران أم لا، وينسون أن جورج بوش لم يحترم قرار مجلس الأمن وذهب هو وبريطانيا لضرب العراق في عام 2003.

أمام ترامب طريق ثالث وهو أن يعطي لإسرائيل الضوء الأخضر لضرب إيران وأن يحميها في مجلس الأمن ثم ينسحب من الاتفاق كرد فعل باعتبار أن الاتفاق وقتها سيحل نفسه بنفسه، فالاتفاق بين الدول الأوروبية الخمس والولايات المتحدة مع إيران كان لتجنيب إيران والمنطقة ضربة عسكرية وبهدف أن تكشف إيران عن برنامجها النووي وأن تفتح منشآتها النووية للتفتيش وأن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم، أما وأن ضرب إيران يعني قيام الحرب عمليًا، وقتها سيكون الاتفاق لاغيًا من تلقاء نفسه.

إسرائيل من جانبها قد تقنع ترامب –إن لم تكن قد أقنعته بالفعل– أن ضرب إيران لن يؤدي فقط للقضاء على مخاطر امتلاك إيران السلاح النووي، بل سيؤدي تلقائيًا لسقوط حزب الله والتخلص من سلاحه، فحزب الله لن يقف مكتوفًا أمام ضرب إيران، بل سيرد بضرب إسرائيل من الداخل اللبناني.

وقتها سيكون أمام الرئيس ميشال عون اختياران.. إما أن يطلب من حزب الله عدم إدخال لبنان في حرب ليست طرفا فيها، أو يدعو لدعم حزب الله، وفي كلتا الحالتين إما أن ينعزل حزب الله في مواجهة الجميع بمــن فيهم الرئيس ميشال عون الذي رغب في رئاسة الجمهورية اللبنانية ونالها، أو تعود لبنان لسابق انقسامتها التي تعودت عليها، وبخاصة في ظل وجود رئيس وزراء لبناني يرغب في التخلص من سلاح حزب الله.

يمكن لترامب أن يحول الولايات المتحدة لحصالة، فمن يرغب في الحرب يدفع لأمريكا مقابل سكوتها ومقابل حمايتها لهم، وربما مقابل تدخلها في الحرب لاحقًا.. الحرب ستنعش صناعة السلاح الأمريكية فهناك من الدول من ستطلب أنظمة دفاع جوي وصورايخ لضمان حماية نفسها من أي ضربات إيرانية، خاصة أن إيران كان قد أعلنت أنها ستعادي الدول التي تسمح لأمريكا أو غيرها باستخدام أراضيها لضربها.

لا يبدو ترامب جاهلا بظروف الشرق الأوسط، ولكنه لا يعرف حجم الدمار الذي يمكن أن تؤدي إليه الحرب مع إيران، ليس لقوة إيران العسكرية ولكن للفوضى التي ستعم المنطقة، فإيران وحزب الله لن يعتبرا الحرب معركة "وقود" نووي ولكن معركة "وجود" فعلي.

ترامب يعرف أن الأمريكيين فضلوه على وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني أن الأمريكيين لم يعد يعنيهم سياسة الاتزان في السياسة الخارجية الأمريكية، ما يعنيهم أن تسهم سياسات ترامب الخارجية والداخلية في دعم الاقتصاد الأمريكي.
الجريدة الرسمية