رئيس التحرير
عصام كامل

أوسكار جمال سليمان


في زمن شحت فيه المواقف الأخلاقية والإنسانية الجريئة يطل علينا هذا النجم المشبع بالأداء الرائع والصادق لا ليتحفنا بأعماله الفنية الخالدة فحسب وإنما ليقدم لنا درسا في الجرأة والإنسانية والمبادئ والأخلاق.


إنه جمال سليمان الذي أطل عبر شاشة الفضائيات مع راغدة شلهوب ليمنحنا بصيصا من الأمل في أن الدنيا لا زالت بخير وأن المبادئ لا تتجزأ أو تخضع للمساومة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحياة والحرية والديمقراطية، تلك القيم التي اختلطت فيها الأوراق بشكل متعمد خلال سنواتنا الأخيرة.

وربما ترجع صراحة جمال في اعترافه ضمن الحلقة أنه عاش طفولة فقيرة لكنه فخور بها، وبطريقة تربية أمه له، معتبرا أن أفضل طريقة للعيش هي "الاعتدال".. تلك الوالدة التي حكي عنها كيف أصيبت بالزهايمر قبل الوفاة بعدة أسابيع وأصبحت تنادي عليه باسم (أبو صلاح) وهذا الاسم كان لشخصية جسدها في (التغريبة الفلسطنية)، كاشفا عن حزنه الشديد لعدم وجوده عند دفن والدته، التي كانت تحبه كثيرا وتعده رفيقا لدربها.

وحرمان جمال سليمان من حضور جنازة والدته لم يكن سوى بسبب بشار، فلا يخفي أن سليمان من المعارضين والرافضين لهذا الخراب الذي حدث لوطنه.. سوريا التي قال عنها عندما سألته المذيعة: متي ترجع إلى سوريا ؟" أريد أن أرجع غدا، لكنى أنتظر أن تعود سوريا وتعود للسوريين كرامتهم من جديد.

وهي نفس سوريا التي قال عنها إنها تعانى من الضغط الحاد المزمن، معتبرا أن الحل للمشكلات التي تمر بها سوريا هو وجود ديمقراطية حقيقية، كما أثبتت تجارب الدول الأخرى في العالم، متابعا أن الصراع السوري أخذ منحنى خطيرًا جدًا، بتحويله إلى طائفي بدلًا من ثورة ضد نظام أو شخص، مشيرا إلى أنه يجب الاستعداد للتسامح وإقامة دولة ديمقراطية تقوم على العدل والمساواة بين كل السوريين، وعدم التفريق بينهم على أساس عرقي.

وأكد سليمان أنه حال خروج بشار الأسد من الحكم والاعتراف بخطئه والاعتذار عنه سيسامحه، مضيفا "هو ما يجب أن يستعد له السوريون حتى يتمكنوا من قتل روح الكراهية والغل التي سيطرت على المشهد الحالي، ليتمكنوا من استعادة وطنهم واستكمال حياتهم".

ياالله.. ما كل هذا الاعتدال والتسامح حتى مع من تسبب في كل هذا الخراب وأي مثالية تلك التي يتبناها الفنان المدهش الذي لم يعد يفاجئنا فقط بتميز إبداعه الفني وإنما أيضا بآرائه ومواقفه الأخلاقية الشجاعة.. ففي رده على سؤال المذيعة لماذا يقف معارضا رغم أن سوريا كانت تشهد رخاء وتعليم ولم يكن عليها مديونية؟ رد قائلا: لوجود معدلات مرتفعة من الفساد والمحسوبية وغياب العدالة الاجتماعية، وتراجع التعليم خاصة في الأطراف، حيث أصبح السوريون يشعرون بأنهم غرباء في بلادهم.

واستطرد جمال: سوريا تعتنق الإسلام الوسطى ويطلق عليه في العالم الإسلام الشامى، وسوريا عرفت على مدى التاريخ بأنها وسطية ودائما تحارب من أجل الحرية.

وحول ردود الفعل الغاضبة التي ستطاله بعد الحوار خاصة على السوشيال ميديا قال جمال: زمان كنت ممكن أتأثر لكن اليوم اللى يقول يقول، لابد أن نتبنى قيما ومبادئ تقبل آراء الآخرين.

شكرا جمال سليمان الذي تجاوز أطماع معظم من يعملون بالوسط الفني في الانحياز للنظم والمصالح الضيقة.. شكرا على دروس ومواقف تسببت في منعك من حضور جنازة أمك ووضعك على لائحة الفنانين المطلوب إحالتهم للتأديب من قبل النظام السوري، شكرا لأنك لم تبحث عن التكريم على جثث الآخرين كما فعل بعض زملائك.

في نهاية الحلقة القنبلة قالت الدكتورة النفسية شيرين الدرديري إن جمال سليمان شخص هادئ عقلانى مخلص.. شديد الذكاء وحذر.. حساس ومشاعره عميقة يبحث عن أسرار الوجود.. لديه حاسة الفراسة.. هذا حقيقي كما يبدو من إجاباتك، لكن الدرديري نسيت أن تقول ماهو أهم: فأنت إنسان صاحب مبادئ وقيم وأخلاق، فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها.. الطبيبة نسيت أن تقول أنك صاحب كبرياء حقيقي وموقف شامخ، وأنك لا تخضع للابتزاز أو المساومة.. وأخيرا نسيت أن تقول أنك شهم ونبيل في زمن عز فيه الرجال الحقيقيون، وهي سمات تمنحك بجدارة الأوسكار في النجومية الإنسانية والأخلاقية والإبداعية !!
الجريدة الرسمية