رئيس التحرير
عصام كامل

معاناة الطبقة المتوسطة في مصر


الطبقة المتوسطة هي عماد التنمية الاقتصادية وصفوة الموارد البشرية الفعالة في أي مجتمع لأنها تدرك أن باجتهادها ستحقق نجاحها وإلا ستسقط مع محدودي الدخل.. إنها ببساطة الطبقة النشطة التي يحركها الأمل نحو مستقبل أفضل.


مقالي هذا لأني استشعرت أن هذه الطبقة تشعر بالخطر والإحباط وإن كانت نفس المخاطر تحدق باستمرار بطبقة محدودي الدخل ( الأولى بالرعاية) ولكن الطبقة المتوسطة هي ميزان المجتمع المستقر وهي التي تمثل الأمل للطبقة الفقيرة.. الطبقة المتوسطة هي المهندس والطبيب والضابط والمهني المجتهد.. الطبقة المتوسطة المثقفة كانت عماد الحراك الشعبي أثناء السنوات الماضية وهي طبقة لا تجيد العنف بحكم طبيعتها ولكنها تضفي الشرعية على الحراك والثورات لأنها عقلانية وتصيغ مطالب محدودي الدخل لقربها من معاناتها ورغم قلة عددها فإن لها ثقلا نوعيا أكبر من تعدادها النسبي.

الطبقة المتوسطة التي تآكلت خلال العقدين الماضيين إما بانضمام بعضها لطبقة محدودي الدخل أو بهجرة بعضها حيث تعد مصر من أكبر الدول لتصدير المهن المتميزة إلى دول المهجر حسب إحصائيات البنك الدولي لتعاني مصر من نقص نفس المهن ولتتضح حقيقة العجز في الموارد البشرية بمصر رغم أننا دولة نعاني من معدلات بطالة مرتفعة ونقص العمالة المدربة...

بعد حراك شعبي وثورات على مدى خمس سنوات، الطبقة المتوسطة مازالت تعاني من غلاء الأسعار، وسوء التعليم الحكومي والخاص، ونقص في الخدمات الصحية وهذه الأسباب دفعت الأفضل منها إلى الهجرة.. والهجرة نوعان فالأعلى جودة تقتنصه منح الجامعات الغربية ويحقق استقرارًا ثم الأقل يتجه للعمل في دول الخليج ثم الأقل الذي يترك شهادته، ويحاول التسلل بطرق غير مشروعة وقد حدث ذلك في كل الفئات بلا استثناء.

أصبح نمط البيزنس في مصر يعتمد على قهر الطبقة المتوسطة بواسطة التجار في الطعام والتعليم والصحة وهي من أساسيات الحياة الكريمة التي هي من حق المواطن... فهل تدرك الدولة ذلك وتتحرك لكسر منظومة استغلال هذه الطبقة؟

إن هذه الطبقة أصبحت تشعر أن هناك مؤامرة تحاك حولها مما سبب غليانا وغضبا شديدين.. وأؤكد أن المجتمع هو من يحتاج هذه الطبقة لأنها عماد التنمية البشرية فهي تغامر وتقاتل من أجل مستقبل أفضل ولعل رموز مصر كانوا من قلب هذه الطبقة بدءًا من أحمد زويل إلى نجيب محفوظ ومجدي يعقوب وغيرهم.. الأزمة أننا نمتلك آلافًا من العلماء المصريين المهاجرين بالخارج هم نتاج سياسات خاطئة على مدى عقود واستطاعوا الاندماج والإنتاج الحضاري الإنساني في هذه المجتمعات.

هل يدرك المضاربون في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة أنها خطوط حمراء ولا تحتمل المبالغات وهي أمن قومي.. وهناك مجالات اقتصادية أخرى لا مانع من أن يكون الربح فيها غير محدود ولكنها لا تمس أساسيات الحياة الكريمة للطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، فإن مصلحة الجميع هي الحفاظ على هذه الطبقة لاستقرار المجتمع وليس مجتمع أغنياء وفقراء أو سادة وعبيد، والأزمة الأخطر أن يكون السادة هم أثرياء الحروب والثورات ويكون العبيد المثقفين والمتعلمين فهذا لا يضمن مجتمعًا مستقرًا.. تحركوا من أجل مصر أم علينا أن ننتظر انفجار الموقف في وجه الجميع.. وقتها سيندم الجميع ولا مجال للتراجع، وللعلم فهناك أيضًا من سيلعب على الجراح المجتمعية لتفجير السلام الاجتماعي لصالحه سواء من الداخل أو الخارج.

أن الحل في دور الحكومة والبرلمان إدراك التحديات وتوجيه الدعم لمستحقيه وابتكار مسارات تستوعب المشكلة وتوابعها مثل المشروع القومي للمشروعات الصغيرة، وقد دعينا له في مقالات سابقة لحماية المجتمع من التصدع وكابوس الحقد الطبقي الذي لا يضمن استقرارًا للطبقة العليا أو للنظام السياسي ويتحقق ذلك بخلق الأمل في المستقبل وبه سيصبر المواطن على الغلاء مرحليًا إذا وجد الأمل في التعليم والصحة والعدالة وتقليص الفساد.. فالمرحلة حرجة ولا مجال للتهاون..

إذا كان لا مفر إلا اللجوء للرئيس الذي تعايش ويدرك المعاناة للطبقة المتوسطة التي لا تقدرها الحكومة والبرلمان فللأسف سنضطر لرفع المظالم، وللأسف فنحن في دولة لا يدرك فيها أحد أبعاد الأمن القومي الاجتماعي سوى الرئيس وهذا ما يجعلني أشعر أن الرئيس يمثل معسكرًا والحكومة والبرلمان في معسكر آخر.

رغم أنني لست من هذه الطبقة ولكني أكن لها الاحترام والتقدير فهي حسب الدراسات الاجتماعية أكثر الطبقات خلقًا وتمسكًا بالقيم والدين بلا تطرف وهي قلب الهوية المصرية التي تنهار مع العولمة الثقافية فطبقة الأغنياء أو ميسورى الحال فقدت هويتها المصرية فأصبحت مشوهة... إن الطبقة المتوسطة لم ولن تستجدي أو تتسول في الشوارع قد يكون ذلك من نقاط ضعفها أيضًا قد يكون من نقاط قوتها.. إنها الطبقة التي تقدس قيمة العمل وهذه القيمة هي أهم أساسيات بناء المجتمع الصالح كما تحدث عنها نجيب محفوظ في مقالاته.

انقذوا مصر.... انقذوا المجتمع المصري من التفكك والطبقية ثم كابوس الحقد الطبقي.
الجريدة الرسمية